طرابلس – بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في معقله في سرت تخوض الفصائل المتنازعة في ليبيا حرب نفوذ شرسة تهدد بتعميم النزاع في البلاد.
وتعيش ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011 حالة من الفوضى بسبب النزاعات بين الفصائل المسلحة ومسلحي القبائل التي تشكل مكونا رئيسيا في المجتمع الليبي.
وعقب سقوط نظام القذافي، دخلت ليبيا في مرحلة من الانقسام السياسي تمخض عنها وجود حكومتين وبرلمانيين وجيشين متنافسين في طرابلس غربا ومدينتي طبرق والبيضاء شرقا.
وتوجد في البلاد حكومتان إحداهما حكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس وتحظى باعتراف دولي، والأخرى في الشرق وتسيطر على مساحات شاسعة من المنطقة المعروفة باسم إقليم برقة.
وجرت مساع أممية لإنهاء الانقسام، عبر حوار ليبي جرى في مدينة الصخيرات المغربية، وتمخض عنه توقيع اتفاق في 17 ديسمبر 2015، انبثقت عنه حكومة وحدة وطنية باشرت مهامها من طرابلس أواخر مارس الماضي.
ورغم تلك المساعي، إلا أن حكومة الوفاق لا تزال تواجه رفضا من الحكومة والبرلمان اللذين يعملان في شرق البلاد.
وهناك قوتان بارزتان على الأرض هما قوات مصراتة، على اسم المدينة الواقعة غرب ليبيا، والتي تشكل النواة الرئيسية للقوات التي نجحت في إخراج تنظيم الدولة الإسلامية من سرت في إطار عملية “البنيان المرصوص” التي وجهتها حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الذي يخوض منذ أكثر من سنتين معارك ضد الجهاديين في شرق البلاد.
وفي حين نجح الجيش الوطني الليبي في استعادة مدينة بنغازي، فإنه لا يزال يواجه الجهاديين في بعض الجيوب ويتهم قوات مصراتة بدعم البعض من الجماعات الجهادية.
وتزايد التوتر بين القوتين بشكل كبير في بداية ديسمبر الماضي بعد إعلان حكومة الوفاق الوطني وقوات مصراتة الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية في سرت.
وشاركت فصائل متشددة من مصراتة في هجوم نفذ انطلاقا من قاعدة الجفرة الجوية في الجنوب على منطقة الهلال النفطي التي تضم أبرز مرافئ تصدير النفط.
ونجحت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر في صد المهاجمين.
ورفضت فصائل أكثر اعتدالا من مصراتة المشاركة في هذا الهجوم مفضلة عدم خوض مواجهات مباشرة مع قوات حفتر.
وردت قوات المشير حفتر خلال الأسبوع الفائت، عبر استهداف طائرة عسكرية في الجفرة كانت تنقل ضباطا وأعيانا من مصراتة متوجهين لحضور جنازة في جنوب البلاد. وقالت قوات حفتر إنها استهدفت “إرهابيين”.
وحذر فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، من أن “القصف الجوي الذي استهدف مطار الجفرة مؤخرا لا يساهم بتاتا في تنقية الأجواء، بل يجهض كل الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة الوطنية المنشودة”.
ودعا، الخميس، إلى “وقف التصعيد والتصرفات غير المسؤولة، التي تحبط آمال الليبيين في حقن الدماء والمصالحة وتحقيق الاستقرار”.
وقال، بخصوص الأزمة السياسية في ليبيا وفرص تضييق الفجوة بين المجلس الرئاسي في طرابلس ومجلس النواب الليبي في طبرق، “هناك جهود وطنية لتحقيق مصالحة وطنية نرحب بها ونأمل أن تتوحد هذه المبادرات وأن تشمل كافة الأطراف الفاعلة على الساحة الليبية، وأن تنطلق من أرضية الاتفاق السياسي الليبي، لنخرج بحل ليبي خالص بعيد عن أي إملاءات”.
وبعد الهجوم الذي أوقع قتيلا وعدة جرحى، أعلنت فصائل مصراتة، والتي كان بعضها لا يزال يعتبر معتدلا، عن إرسال تعزيزات إلى الجفرة وسبها الواقعة على بعد 600 كلم جنوب طرابلس من أجل “تأمين المنطقة”.
وقال مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا، مارتن كوبلر، هذا الأسبوع، إن “التوتر في الجنوب مصدر قلق”، داعيا “كل الأطراف إلى التحلي بضبط النفس”.
من جانبها أعربت الولايات المتحدة عن “قلقها العميق”، وأضافت أن أعمال العنف الجديدة “لا تخدم سوى داعش وغيره من المجموعات المتطرفة”.
وحتى بعد طرد تنظيم الدولة الإسلامية من سرت لا يزال التهديد الجهادي قائما في ليبيا، حيث يؤكد خبراء وجود عدة خلايا جهادية في الجنوب وفي الشرق والغرب بما يشمل العاصمة طرابلس.
وقال محمد الجارح، من مركز “أتلانتيك كاونسيل” البحثي في واشنطن، إن “زيادة التصعيد في الجنوب الليبي كانت متوقعة. كان من المتوقع بعد تحرير سرت أن تركز قوات مصراتة على منطقة أخرى”.
وأضاف أن “الوضع مرشح للتفاقم لأن الأصوات التي تقرع طبول الحرب مسموعة أكثر من غيرها ولا سيما بعد مهاجمة الجيش الوطني الليبي لفصائل مصراتة”.
وقال إن الفصائل التي تدعو إلى شن الحرب على معسكر حفتر ألبت الرأي العام لصالحها في مدينة مصراتة الغنية.
أما حفتر فيسعى إلى الاستفادة من تحالفاته القبلية للسيطرة على جنوب البلاد بعد سيطرته على الهلال النفطي بفضل هذه الإستراتيجية، وفق ماتيا توالدو الخبير في الشؤون الليبية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
وقال توالدو إن “المشير حفتر يسعى كذلك إلى استمالة بعض الفصائل في طرابلس، ونجاحه في مسعاه سيعزز الفوضى ويعقد مهمة حكومة الوفاق التي تعاني من الانقسامات والعاجزة عن فرض سلطتها على عموم البلاد”.
العرب اللندنية