مهما كان من نتائج لقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سانت بطرسبورغ، إلا أن محللين كثيرين يجمعون على أن بوتين كسب حليفاً في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها، وتمر بها بلاده، مع استمرار العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب عليها. فتجديد “حلف الصداقة” وإعادة تعزيز العلاقات الاقتصادية، سيكون له تأثير طيب على العلاقات السياسية، وربما يفتح المجال أمام محور روسي – تركي، ظهرت ملامحه سنة 2010، ثمرة تقارب اقتصادي وسياسي كبير، لكنه رُكن في الزاوية، بعد إعادة التموضع الذي فرضته الحروب التي ضربت دولاً عربية، إثر قمع الثورات المطلبية التي عمت فيها، واختلاف موقفي الطرفين تجاهها.
لا شك أن وقتاً يمكن أن يمر قبل أن يعود الدفء إلى العلاقات بين البلدين، بعد إسقاط تركيا طائرة روسية مقاتلة قرب حدودها مع سورية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. لكن حاجة الطرفين بعضهما إلى بعض، والنيات الحسنة التي أبداها الطرفان تجاه بعضهما، وتبدّت في سرعة عودة العلاقات وعودة السياح الروس إلى تركيا، وفي موقف الرئيس الروسي المغاير لموقف الغرب تجاه محاولة الانقلاب في تركيا، واتصاله هاتفياً بأردوغان غداتها، وفي سرعة عقد قمة بينهما، قد تقصِّر من مدة عودة العلاقات إلى طبيعتها السابقة، وربما تدفع إلى تقويتها، فتتجه نحو التحالف، على أرضية مصالح اقتصادية وجيو استراتيجية متبادلة، لمواجهة التوترات التي تحيط بالبلدين. علاوة على حاجتهما إلى إيجاد صيغة شراكة اقتصادية، يستعيضان بها عن تعنت دول الاتحاد الأوروبي إزاء طموح تركيا الانضمام إليه، وعن العقوبات التي فرضها على روسيا بعد أزمة القرم.
وكانت الإشارات التي أطلقها الرئيس التركي، قبل زيارته روسيا، خير دليل على هذا الأمر، حين عبّر صراحة في مقابلة مع وكالة تاس الروسية: “إن الاتحاد الأوروبي تخلى عن وعود قطعها لتركيا، وهو يخدعنا منذ 53 عاماً”. وهو كلام يختصر مجمل معاناة تركيا مع دول الاتحاد الأوروبي، والغرب عموماً، الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء إدانة المحاولة الانقلابية ضد حكومةٍ، تعتبر حليفة أساسية لهم في حلف الناتو. الأمر الذي عكس حقيقة نظرة هذا الغرب إلى تركيا وموقفه منها. علاوة على اتهام الصحافة التركية الولايات المتحدة بوقوفها خلف المحاولة الانقلابية. أما من جهة روسيا، فلا حاجة لإيراد نقاط الخلاف مع هذا الغرب الذي لم يوجه أي إشاراتٍ تظهر حدوث اختلافٍ في نظرته التاريخية لروسيا، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، عنها قبل سقوطه.
وفي موضوع الخلافات العميقة، بدا من قمة الطرفين، أنهما لم يخوضا في خلافاتهما حيال الحرب والأزمة في سورية، ثم أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بعدها، عن توجه وفد تركي مختص إلى روسيا لبحث الأمر. ويبدو أن الطرفين يريدان عدم جعل القضية السورية عقبة في وجه تحقيق اتفاق بخصوص النقاط التي علقت بعد توتر العلاقات، وتعتبر ذات أهمية اقتصادية قصوى، عبَّر عنها الطرفان في ترداد عبارات حول إعادة النشاط التجاري والاقتصادي إلى سابق عهده، مع زيادة بوتين جرعة النيات هذه، بكلامه عن وضع برنامج لزيادة التعاون الاقتصادي بينهما. وفي هذا السياق، كانت المواضيع العالقة، مثل مشروعي الغاز “السيل التركي” والمحطة النووية التركية، بحكم المسلّم بهما، للانطلاق نحو نقاط جديدة في قطاعات اقتصادية وتجارية أخرى.
تم الاهتمام في الغرب بلقاء القمة هذا، ويقول محللون إنه أوجد قلقاً ومخاوفَ لدى المسؤولين الغربيين من تعمّق العلاقات أكثر، ومن أن ينتج عنها محور يضم بعض دول الاتحاد السوفييتي السابق. وفي حين نفى مسؤولون غربيون وجود هذه المخاوف، فإن مجرد نفيها يثبت وجودها، ولو بدرجات. أما أساس المخاوف فتركّز حول انعكاس التقارب بين البلدين، خروجاً لتركيا من حلف الناتو، وهو ما أصر مسؤول ألماني على نفي إمكانية حدوثه جراء هذا التقارب.
إن كانت روسيا تنظر إلى تدخلها العسكري في سورية على أنه، في أحد جوانبه، استعاضة عن خسائرها من جرّاء انخفاض أسعار النفط، وتسويقاً لسلاحها، يعوّض عن العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب عليها، فإن تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع تركيا ربما يغنيها عن هذا التدخل. وسيكون بإمكان الاستثمارات المتبادلة للطرفين أن تعوّض روسيا، إن قررت وقف تدخلها في سورية. وهو أمر سيغيّر نظرة العرب لها، وقد يجلب لها استثماراتٍ من الدول العربية تعزّز الاستثمارات التركية وتكملها. لذلك، حل الخلافات بينهما، وتطوير التعاون الاقتصادي والتنسيق السياسي، ربما يوفران إمكانية لقيام محور، يعتبر ضرورةً للطرفين، إنْ قرّرا استثمار هذا التعاون من أجل ترتيب فوضى الشرق الأوسط الحالية.
العربي الجديد – مالك ونوس