أجبرت ظروف الحرب شابًا سوريا في مدينة حلب، على استبدال مدرسته وتعليمه، بساعات عمل طويلة تصل لأكثر من 12 ساعة، لتأمين سبل المعيشة لوالديه وأخوته السبعة، حيث تعتبر العائلة نفسها نازحة في المدينة بعد تدمير منزلهم بالبراميل المتفجرة.
ومع غروب الشمس، يصل محمد سلطان البالغ 17 عامًا، إلى بيته منهكًا، بسبب العمل وطول الانتظار، وربما من المفترض أن يكون عائدًا من مدرسته، إلا أن تدهور الأوضاع المعيشية في حلب، قادته لأن يكون معيلًا لعائلته.
وخلال جولة على مكان سكن العائلة، رصدت عدسة الأناضول كيف يعيش محمد مع عائلته على تلة الكلاسة، الواقعه على أطراف حلب القديمة، وتعتبر منطقة عشوائية، وغير مخدمة بالكهرباء والماء، ويطل منزلهم على المناطق الخاضعة لقوات النظام، ما يجعله مواجهًا لقناصة النظام المنتشرة على المناطق المرتفعة في المدينة كالقصر البلدي، والإذاعه، وفندق أمير، وغيرهم.
وقال محمد إنه “يخرج كل يوم صباحًا عند الساعة السابعة باحثًا عن رزقه ليعين به أهله، ويعود مع حلول الليل، ويعمل يوميًا بما يقرب من 12 ساعة، في آلة نقل محلية الصنع (طريزينة/توك توك) ينقل عبرها البضائع، أو ما يتيسر له من السوق القريب من المنطقة، وأحيانًا يمر اليوم بلا عمل”.
وأوضح أنه “عندما يعمل يحصل وسطياً على 400 ليرة سورية (أقل من دولارين) يذهب نصفها وقودًا للآلة، والباقي يعطيه لأمه، ورغم علمه أن ما يعطيه لأمه لا يكفي لشراء (ربطة) خبز، أو علبة دواء لأبيه، إلا أنه لا مفر، فهو الشاب الأكبر بين إخوته، وعليه أن يبذل جهدًا قدر المستطاع”.
من ناحيتها، تعتبر أم محمد “نفسها لاجئة أو مغتربة في وطنها، مشددة على أن زوجها أصيب في يده منذ مدة، جراء قصف قوات النظام بالمدفعية، فباتوا بلا معيل أو سند، فيما منزلهم الذي قضوا عمرهم يجمعون ثمنه، استهدفه النظام بالبراميل المتفجرة، ما أدى إلى تحول البناء كاملًا إلى دمار وركام”.
ولفتت إلى أن “الله حماهم لأنهم لم يكونوا موجودين في المنزل، إلا أن كثيرًا من جيرانهم قتلوا جراء القصف، مضيفة أن ما يزيد غربتها مع أولادها، أن زوج ابنتها استشهد أيضًا برصاصة قناص غادرة، ما زاد الحمل عليهم بأولادها الثلاثة اليتامى”.
وتشبثت أم محمد “بصبر الله سائلة إياه الفرج، مبينة أنه في الفترة الماضية ساعدهم أهل الخير بمنزل يأويهم، وسكنوا فيه رغم عدم توفر الكهرباء والماء فيه، ولا أي خدمات تذكر، فضلًا عن إطلالته على قناص الإذاعة، وقناص القصر البلدي”.
وتمثل هذه العائلة شريحة واسعة من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب، وخاصة بعد حملة البراميل المتفجرة الكثيفة، التي شنتها قوات النظام منذ ما يقرب من عام ونصف، حيث انعكس ذلك سلبًا على الوضع المعيشي للأهالي، وأدى تدريجيًا إلى انعدام فرص الحياة في هذه الأحياء.
وكانت شبكة حلب نيوز الإخبارية، قد أصدرت مجلة إنفرغرافيك قبل أكثر من أسبوعين تتضمن إحصائيات وأرقام عن مدينة حلب وريفها، وثقت فيه مقتل 7398 شخصًا في المدينة وريفها العام الماضي، وإسقاط النظام عبر سلاح الجو على المدينة وريفها 4063 برميلًا متفجرًا، و2056 صاروخًا، و123 قنبلة عنقودية، فيما ارتكبت 72 مجزرة خلفت 1335 قتيلًا.
فيما كانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد أكّدت “قتل قوات النظام، 176678 شخصًا مدنيًا، خلال 4 سنوات من الأزمة في عموم البلاد، من بينهم 18242 طفلًا، و18457 سيدة، و11427 شخصًا قتلوا بسبب التعذيب الذي مارسته القوى الأمنية التابعة للنظام، فيما قتل 27496 من المعارضة المسلحة”.
ومنذ 15 مارس/ آذار 2011 تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من (44) عامًا من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف ما يسميها بـ”الأزمة”، ما دفع سوريا إلى دوامة من العنف، ومعارك دموية بين قوات النظام والمعارضة، لا تزال مستمرة حتى اليوم وخلفت أكثر من 220 ألف قتيل و10 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها.
محمد شيخ يوسف/ الأناضول