في ظل سعي بكين لتعزيز حضورها على الساحة الدولية، وتنامي اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط، تثار تساؤلات حول السياسة الصينية تجاه الحرب في سوريا، خصوصاً مع دخولها مرحلة أكثر تعقيداً ودمويةً.
ففي الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الأمن لبحث التطورات في سوريا، في 25 سبتمبر/أيلول الجاري، أظهر خطاب المندوب الصيني الدائم في المجلس، ليو جيه يي، رغبة صينية بالوقوف في المساحة التي تسمح لبكين بلعب دور فاعل في حل الأزمة، بعيداً إلى حد ما عن الموقف الروسي، الذي لطالما اعتبرت الصين أنها تقف إلى جانبه.
في المقابل، فقد كانت الصين قد أعلنت، في 18 أغسطس/آب الماضي، عن إرسال مدربين ومساعدات للنظام السوري، بعد زيارة قام بها عسكريون صينيون إلى دمشق، وإجرائهم مباحثات مع وزير دفاع النظام السوري، فهد جاسم الفريج، وقائد القوات البحرية الروسية، الجنرال سيرجي تشاركوف، في اللاذقية.
دفع ذلك التحرك الصيني للاعتقاد بأن موقف بكين الرافض للانخراط المباشر في الحرب، أو حتى التزويد المباشر لنظام الأسد بالسلاح والخبراء، قد تغير، حيث نشرت وكالة “سبوتنيك” (Sputnik) الروسية، في 31 أغسطس/آب الماضي، تحليلاً تنبأ بأن الصين تتحضر لنشر قوات لها في سوريا.
تدفع تلك الازدواجية إلى التساؤل حول حقيقة الموقف الصيني، وعن الحسابات التي شكلت مواقف بكين منذ البداية، وعن دوافع اهتمامها بالأزمة.
تحقيق توازن في العلاقة مع أطراف الأزمة في الإقليم
بالرغم من مساعي بكين الرامية لتعزيز مكانتها كقوة عالمية، إلا أن سياستها الخارجية لا تزال أسيرة حسابات المصالح الاقتصادية إلى حد بعيد، خصوصاً في المرحلة الحالية، حيث تسعى الصين إلى تطبيق استراتيجيات اقتصادية كبيرة، يحظى الشرق الأوسط فيها بموقع أساسي.
وفي الحالة السورية، حيث تتعدد أطراف الأزمة وتختلف إلى الحد المهدد بالمواجهة بينها، يجد صانع القرار الصيني نفسه مجبراً على توخي الحذر، فللصين مصالح اقتصادية مع كل من السعودية وإيران، بينما تشهد العلاقة بين هذين البلدين مواجهة شبه مباشرة في عدد من الأزمات، أهمها سوريا.
فمن جهة، تشكل السعودية شريكاً اقتصادياً كبيراً للصين، حيث تستورد الصين من السعودية نصف احتياجاتها من النفط، بينما تشكل السعودية سوقاً كبيراً للمنتجات والشركات الصينية، ومحطة مهمة على خريطة استراتيجية “طريق الحرير البحري” الصينية.
ومن جهة أخرى، شكل الاتفاق النووي الإيراني (وُقِّع في 2 أبريل/نيسان 2015) فرصة لمضاعفة الشراكة بين بكين وطهران، في مجالات النفط والغاز والتبادل التجاري وقطاع الطاقة النووية السلمية والبنية التحتية، وغيرها من القطاعات الكبيرة التي أصبحت متاحة للشركات الصينية مع رفع القيود الدولية.
لا يتوقف الأمر عند السعودية وإيران، حيث تعد تركيا وروسيا والاتحاد الأوروبي أطرافاً أساسيةً في مشهد الأزمة المعقد، يتوجب على بكين أخذ مواقفها بالاعتبار، لدى صياغتها مقاربتها الخاصة.
مواجهة السياسات الأمريكية تجاه شرق وجنوب شرق آسيا
أعلنت واشنطن عن استراتيجية جديدة تستهدف شرق وجنوب شرق القارة الآسيوية، أطلقت عليها وزيرة الخارجية السابقة، والمرشحة الحالية لرئاسة الولايات المتحدة، هيلاري كلنتون: “التمحور” و”إعادة التوازن”، في مقال لها نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في نوفمبر/تشرين ثاني 2011.
قدر تقرير لـ”معهد الشرق الأوسط” الأمريكي، في وقت مبكر من عام 2013، بأن تسعى الصين لصياغة موقف تجاه الملف السوري، في سياق عدد من السياسات والاستراتيجيات الرامية لمجابهة واشنطن، خارج منطقة شرق وجنوب شرق آسيا.
لم تكتف بكين بالامتناع عن التصويت على مشاريع قرار مجلس الأمن الخاصة بسوريا، بل قامت باستخدام حق النقض، الفيتو، أكثر من مرة إلى جانب روسيا، وحرصت على إظهار وقوفها إلى جانب موسكو في مواجهة المعسكر الغربي.
يذكر أن الصين قامت بإرسالة حاملة طائرات “لياونينغ” إلى ميناء طرطوس في 22 سبتمبر/أيلول 2015، بحسب تقرير حصري نشره موقع “ملف دبكا” الإسرائيلي، الأمر الذي يمكن قراءته في سياق سياسة التحدي لواشنطن، التي اتبعتها بكين في عدد من الملفات الأخرى.
مبادئ السياسة الخارجية الصينية
تتبنى بكين، تقليدياً، مبادئ ترفض التدخل في شؤون الدول الداخلية، واستخدام القوة في العلاقات الدولية، إضافةً إلى مبدأ الحرص على الأمن والاستقرار، وتسوق تلك المبادئ لدى رفضها المساعي الغربية للتدخل في شؤون الصين الداخلية، ولكن تلك المبادئ، بالمقابل، تقلص من قدرة السياسة الخارجية الصينية على منافسة الدول الكبرى في التفاعل مع الأحداث الدولية.
إضافة إلى ذلك، تسعى الصين للحفاظ على التزاماتها تجاه “الأصدقاء” لدى اشتعال الأزمات، لضمان قدرتها على خلق التحالفات مستقبلاً، وبث الطئمأنينة لدى شركائها الاقتصاديين، وهي الذريعة التي استخدمتها بكين في الدفاع عن مواقفها تجاه ملفات عديدة، أهمها سوريا وإيران وكوريا الشمالية.
ضمان حصة في سوق السلاح
ذكرت مجلة “ذي ديبلومات” (The Diplomat) في تقرير نشرته يوم الخميس 22 سبتمبر/أيلول الجاري، بأن السلاح الصيني شكل 31.7% من واردات إيران من السلاح عام 2014، وهي الواردات التي شهدت ارتفاعاً كبيراً بسبب انخراط طهران بشكل مباشر وغير مباشر في عدد من حروب المنطقة، أهمها الحرب في سوريا.
وأضاف التقرير بأن الصين قد باعت أسلحة إلى السعودية بملايين الدولارات خلال الأعوام الماضية، إلا أن بكين تسعى للحصول على حصة أكبر من واردات السعودية من السلاح، الذي تستحوذ عليه الولايات المتحدة ودول غربية حتى الآن.
الموقف السلبي العام من الربيع العربي
أبدت بكين تحسساً وسلبيةً تجاه الربيع العربي منذ انطلاقته، فقد انتقلت العدوى سريعاً إلى الصين، حيث خرجت مظاهرات في عدد من المدن الصينية في 20 فبراير/شباط 2011، عرفت بالاحتجاجات الصينية من أجل الديموقراطية، أو “ثورة الياسمين”، واستمرت شهراً كاملاً.
يذكر أن مناطق الأقلية المسلمة في البلاد شهدت مظاهرات واحتجاجات عنيفة، من وقت لآخر، كان أكثرها اتساعاً عام 2009، قبيل اشتعال الربيع العربي، الأمر الذي أثار مخاوف من عودة الاحتجاجات بشكل أكبر.
لم تخف دول عديدة، من بينها الصين، رغبتها في فشل المساعي الشعبية الرامية لإسقاط الأنظمة الحاكمة، إلا أن السياق الدموي الذي انتقلت إليه الثورات في عدد من الدول تسبب بتراجع قدرة “الربيع” على التمدد.
أنتجت هذه العوامل موقفاً صينياً يميل نحو تأييد نظام بشار الأسد، ومن ورائه كل من روسيا وإيران، إلا أنه في المقابل، يتجنب التأثير السلبي على العلاقة المتميزة مع دول المحور المقابل، خصوصاً دول الإقليم، الأمر الذي يخلق تحدياً أمام بكين في إثبات فعالية دبلوماسيتها وحجمها على المستوى الدولى، الأمر الذي قد يدفع الصين نحو لعب دور وساطة في ظل تشرذم جميع أطراف الأزمة، وعجز دبلوماسية الولايات المتحدة الأمريكية عن التوصل إلى حل يجنب المدنيين ويلات الحرب على أقل تقدير.
محمد عابد_الأناضول