تكشف التطورات السياسية المتلاحقة في المشهد السوري، في ظاهرها عن رغبة دولية محمومة لإنهاء النزاع الذي خلف أكثر من ربع مليون قتيل.
وستحتضن سويسرا، في أواخر يناير محادثات بين النظام والمعارضة برعاية الأمم المتحدة، وفق ما أعلنه أمس الثلاثاء مايكل مولر المدير العام للأمم المتحدة.
وقال مولر عن المحادثات المقبلة حول سوريا “النية أن تبدأ في جنيف بنهاية يناير” مشيرا إلى أن “الجميع يرغب في أن تكلل بالنجاح”.
وكانت المجموعة الدولية قد توصلت إلى اتفاق على خارطة طريق صادقت عليها الأمم المتحدة بالإجماع الجمعة الماضي، تقضي بإجراء مفاوضات بين المعارضة والنظام وتطبيق وقف إطلاق نار في سوريا، باستثناء المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، وجبهة النصرة ومثيلاتهما، مع بدء علمية التفاوض، وتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر (يونيو) وإجراء انتخابات في غضون 18 شهرا.
ويرى محللون أن هناك أملا في تحقيق تسوية بسوريا لكن لا بد من النظر مليا في التفاصيل “فهناك يكمن الشيطان”.
حيث أنه إلى حد الساعة لم يقع الاتفاق على قائمة موحدة حول الجماعات الإرهابية في ظل التباينات بين الدول المؤثرة في المشهد السوري.
وأكد وزير الخارجية الأردني ناصر جودة أن هناك “إجماعا” على أن تنظيمي “داعش وجبهة النصرة إرهابيان”، في مجموعة الـ17 حول سوريا، فيما توجد تباينات حول التنظيمات الأخرى التي تقاتل في هذا البلد.
وأوضح وزير الخارجية “هناك توافق مطلق بين كل المجتمعين (في نيويورك الجمعة) مع كل خلافاتهم بأمور أخرى، على أن داعش وجبهة النصرة (فرع القاعدة في سوريا) إرهابيان”.
وأضاف أن “هناك تنظيمات عليها توافق حول تصنيفها وتنظيمات أخرى هناك تباين حولها”. وتابع “إذا كان إجماع فهو حول هذين الاثنين (…) الذين يهددان أمننا واستقرارنا وأمن المنطقة وأمن العالم”.
وأكد أن لائحة المجموعات الإرهابية “ليست اختراعا أردنيا ولا فرضا للرأي الأردني” إنما تعكس “تصنيف الدول الـ17 ومن ضمنها الأردن للتنظيمات الإرهابية”.
وتعتبر هذه اللائحة السوداء وأيضا الجهود السعودية لتشكيل فريق مفاوض موحد للمعارضة السورية، من أشد النقاط حساسية في مسار مفاوضات فيينا.
وكان جودة أوضح الجمعة في نيويورك بأن الدول الـ17 في مجموعة دعم سوريا عرضت لوائح مختلفة لفصائل مسلحة تعتبرها إرهابية، بحيث قدمت كل دولة ما بين 10 و20 اسما.
وبحسب مسؤولين أميركيين وروس هناك توافق عام على استبعاد جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية من أي مفاوضات سلام.
غير أن هناك تنظيمات أخرى تثير جدلا، فبعض الدول مثل تركيا تدعم مجموعات تحوم حولها شبهة الإرهاب على غرار حركة أحرار الشام وجند الأقصى وجيش الإسلام، في حين تدعم دول حليفة للنظام السوري مجموعات مسلحة شيعية، لا تقل ممارساتها إرهابا عن داعش والنصرة، على غرار حزب الله اللبناني، ولواء أبو الفضل العباس، ولواء ذو الفقار، وكتائب سيد الشهداء…
والمعظلة الأخرى هي القوات الإيرانية الرسمية ويقصد بها عناصر الحرس الثوري الإيراني التي لا تبدي إيران أي نية لسحبها، وهذا مطلب تجمع عليه الدول العربية، وحتى الغربية.
وأكد حسين سلامي نائب القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني، أمس الثلاثاء، أن استراتيجية طهران حول سوريا لم تتغير، نافيا تقليص تواجد مستشاريها العسكريين في الأراضي السورية.
وقال سلامي إن “استراتيجياتنا وأدوارنا في هذه الساحة والمجال السياسي لم تنخفض بأي حال من الأحوال وما زلنا ثابتين وراسخين على مبادئنا وأهدافنا واستراتيجياتنا السابقة ونؤدي أدوارنا بما يتناسب مع حاجات الساحة”.
ويرى محللون أن تمسك إيران بعدم سحب قواتها، فضلا عن غياب التوافق على قائمة الجماعات الإرهابية، جزئيتان لا يمكن تجاوزهما، خاصة عند الحديث عن مشروع وقف إطلاق النار الذي نصت عليه خارطة الطريق والذي من المفروض أن يتم مع بدء عملية التفاوض بين النظام والمعارضة.
ويشدد المحللون على أن أي حديث عن وقف إطلاق النار دون حل هاتين المعظلتين ليس واقعيا.
وبدأ الحديث مؤخرا عن انطلاق الأمم المتحدة في وضع ترتيبات لمراقبة وقف إطلاق النار في سوريا.
وقال دبلوماسيون إنهم يريدون تجنب وضع يكون فيه للأمم المتحدة وجود كبير في سوريا. فوجود عدد كبير من مسؤولي الأمم المتحدة على الأرض في سوريا سيتطلب ترتيبات أمنية كبيرة لحمايتهم.
وقال مصدر دبلوماسي “إذا كانت لنا وحدة أمنية كبيرة فسيبدو الأمر فجأة وكأنه بعثة كاملة، وأي وجود للأمم المتحدة في سوريا سيكون مستهدفا”.
وقال مصدر آخر هناك أدوات أخرى لإنجاز أعمال التحقق من الانتهاكات منها استخدام طائرات دون طيار، وقد بدأت الأمم المتحدة استخدام هذه التكنولوجيا في مهام حفظ السلام في أفريقيا. وكانت الأمم المتحدة اضطرت لتعليق عملياتها في المرة السابقة في سوريا، فبعد أن نشرت حوالي 300 مراقب غير مسلحين في أبريل عام 2012 اضطرت في أغسطس من العام نفسه لسحبهم بعد أن أصبحوا هدفا لحشود شعبية غاضبة وتعرضوا لإطلاق النار.
وقد أرسل مجلس الأمن المراقبين آنذاك بعد موافقته على خطة لإحلال السلام في سوريا من ست نقاط طرحها كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية تدعو لإجراء محادثات وهدنة.
وفي ذلك الوقت كانت التقديرات تشير إلى أن عدد القتلى في الحرب الأهلية السورية يبلغ نحو عشرة آلاف فقط.
وقد تعرضت قوة أخرى لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة تتولى حتى الآن مراقبة الحدود الاسرائيلية السورية في مرتفعات الجولان لإطلاق النار مرارا بل وحوادث خطف على أيدي مسلحين يقاتلون قوات الحكومة السورية.
وقال جوان “من الواضح أن الوضع الأمني في سوريا سيكون أسوأ بكثير جدا هذه المرة، لذلك يتعين على بان أن يكون مبتكرا”.
العرب