رسمت مجلة لومونود دبلوماتيك الفرنسية، صورة للعلاقة التاريخية الوطيدة بين النظام السوري وروسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي السابق.
وتستهل المجلة تقريرها بالإشارة إلى شن القاذفات الروسية من طراز “سوخوي سو ـ ٣٤”، غاراتها في سماء سوريا، وانطلاق صواريخ “كاليبر” من بحر قزوين لتضرب قواعد معارضين للنظام السوري، مما عدل ميزان القوة في الميدان هناك، وإن لوقت قصير، إذ مكنت شدة القصف، القوات الحكومية السورية من استعادة المبادرة والهجوم من جديد.
ولا عجب، بحسب المجلة، “أن يقدم بوتين هذا الدعم التكتيكي لبشار الأسد، لأن سوريا تمثل الموقع الوحيد للتواجد الروسي في الشرق الأوسط، ورمزاً لماضٍ مجيد، وكان بوتين القوي لنظام الأسد قد دفع روسيا للعب دور حاسم، في عام ٢٠١٣، في تفكيك الترسانة الكيماوية السورية، ولتجنب التدخل الغربي، وأثبت ذلك خطأ اعتقاد أن روسيا ليست اليوم سوى قوى إقليمية، ليست لها مصالح خارج فضاء الاتحاد السوفييتي القديم”.
علاقات وثيقة
وتقول لوموند ديبلوماتيك إنه منذ توقيع أول عقود التسليح في عام ١٩٥٦، أبقت سوريا على علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفييتي، وتعززت تلك العلاقة خلال فترة الوحدة السياسية مع مصر، ومن ثم وصول حزب البعث إلى السلطة في عام ١٩٦٣، مستلهماً فكرة الاشتراكية العربية، وقبل وفاته عام ٢٠٠٠، حث حافظ الأسد ابنه بشار على المحافظة على تلك العلاقة لإبقاء طائفته على رأس السلطة في سوريا.
وتشير المجلة إلى أنه بعد انهيار التحالف مع مصر في عام ١٩٧٧، وفقدان روسيا مرافق الدعم في الاسكندرية ومرسى مطروح، أصبح ميناء طرطوس في سوريا هو القاعدة الوحيدة للبوارج الروسية في المتوسط، وخلال الأشهر القليلة الماضية، أصبح لتلك البوارج حضور ملحوظ على الساحل السوري، كما كانت الغواصة الروسية النووية ديمتري دونسكوي في المنطقة في سبتمبر( أيلول).
تزايد المساعدات
وتضيف المجلة أن المساعدات الروسية لسوريا نمت منذ بداية حركات الربيع العربي، إذ أدى انهيار الأنظمة القديمة في كل من تونس ومصر وليبيا، وتفكك العراق، وظهور داعش، لإقناع روسيا بوجوب مواصلة دعمها للأسد ولتقوية موقعها في المنطقة.
وأدى انتشار الفوضى وصعوبة قراءة سياسات الغرب، وخاصة تلك الخاصة بالولايات المتحدة، لدفع حكومات المنطقة لتنويع تحالفاتها، إذ باعت فرنسا أسلحة لدول الخليج، ووقعت روسيا مؤخراً اتفاقيات تجارية وعسكرية وتقنية مع مصر والعراق والأردن، كما تمول السعودية حالياً صفقات مصرية لشراء أسلحة روسية.
غطاء القانون الدولي
وبحسب المجلة، تأمل روسيا بتعزيز نفوذها تحت غطاء القانون الدولي، إذ اقترح بوتين، في كلمته أثناء قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ٢٨ سبتمبر (أيلول)، فكرة “تشكيل تحالف يضم جميع القوى التي تحارب داعش وسواه من التنظيمات الإرهابية”.
وقال بوتين: “من الطبيعي أن يقدم أي دعم لحكومات ذات سيادة، وأن لا يفرض، ويكون ذلك متناغماً مع ميثاق الأمم المتحدة، وأعتقد أن أولى الأولويات، تتركز في عودة المؤسسات الحكومية في ليبيا، ودعم الحكومة الجديدة في العراق، وتقديم المساعدة الشاملة للحكومة الشرعية في سوريا”.
مفارقة
وتلفت لوموند دبلوماتيك لعودة روسيا للشرق الأوسط، رغم ادعائها عدم نيتها لاستعادة النفوذ الذي حظي به الاتحاد السوفييتي في أوساط العلاقات الدولية.
ولكن روسيا تواجه أيضاً وضعاً صعباً، إذ لا يحظى الأسد بشعبية في معظم الدول العربية، فإن هذا التحالف مع النظام في دمشق، يؤدي لوضع روسيا في نفس خانة إيران، وحزب الله والميليشيات الشيعية في العراق، وفي مواجهة مع خصومهم السنة في المنطقة.
وبحسب المجلة، إن كان بوتين يرغب باستعراض قوة روسيا وقدرتها على مساعدة أصدقائها، سواء أمام الرأي العام في الداخل الروسي، أو بنظر شركائه الإقليميين، فهو لا يستطيع إظهار ضعفه عبر التخلي عن الأسد.
اتفاق
وحول سؤال عما إذا كان من الممكن حل الصراع السوري بواسطة اتفاق ما، تقول المجلة بأنه من وجهة النظر الروسية، ذلك ممكن إن قبل الغرب ببقاء الأسد في السلطة، لفترة محدودة، على الأقل.
وعبر بوتين عن هذا الرأي أمام قمة منظمة الأمن الجماعي، التي عقدت في دوشانبي في طاجيكستان، في سبتمبر (أيلول)، إذ رأى ضرورة التفكير بتسوية سياسية في سوريا، قائلاً أن الأسد كان مستعداً لإشراك” القسم السلمي من المعارضة في الحكومة”.
وقال بوتين “سيكون من الممكن تشكيل تحالف سوري يضم قسماً من المعارضة القادرة على الانفكاك عن الحركات الجهادية، وعندها سيسلم الرئيس سلطاته، وبمحض إرادته، إلى خلف يكون مقبولاً من القوى السياسية الرئيسية في سوريا، ومن لاعبين خارجيين”.
وتقول لوموند دبلوماتيك، بأن ذلك يبدو غير ممكن في الوقت الحالي، ولكن تم بحثه من قبل وزراء خارجية، وإن على مضض.
وإن تحقق ذلك، فستبدو روسيا كلاعب يهدف لتحقيق السلام، والتدخل بناء على طلب الحكومة السورية، مما يمنحها ثقلاً جيوسياسياً، كما كان للاتحاد السوفييتي خلال فترة الحرب الباردة، وبوصفها أيضاً حامية الأقليات في المنطقة، وهو الدور الذي لعبته روسيا القيصرية حيال المسيحيين الشرقيين.
غير مؤكد
وترى المجلة أنه في سوريا ليس مؤكداً احتمال تشكيل تحالف أو بحث مستقبل البلاد ما بعد الأسد، بحيث ينظر كل طرف في الصراع للحل من وجهة نظر مختلفة.
وتواصل روسيا زيادة دعمها العسكري والتقني للنظام السوري، فيما تبدو الضربات التي توجهها الطائرات الروسية بمثابة تمرين لوجيستي كبير، نظراً لأن العدو واضح تماماً، والقاعدة البحرية في اللاذقية بحاجة لحماية عسكرية.
وتتحدث مصادر رسمية عن إرسال ٢٠٠٠ جندي، مما يكفي لحماية القاعدة من وجهة نظر الجيش الروسي، لكن أزمة القرم أظهرت مدى صعوبة تحديد العدد الكافي للقوات المشاركة في أية حملة عسكرية، كما ليس جديداً على الساحة السورية وجود مستشارين عسكريين روس، إذ دأبت روسيا على إرسالهم إلى الشرق الأوسط منذ خمسينيات القرن الماضي.
شعبية بوتين
ويبدو، برأي لوموند دبلوماتيك، أن دور القوات الروسية قد يكون محدوداً في حماية القواعد الرئيسية للجيش السوري، وللعمليات الخاصة، وما زال الروس يتذكرون “العدد المحدود من عناصر فرقة مواجهة المخاطر” الذين أرسلوا بداية إلى أفغانستان، وللورطة التي واجهها السوفييت هناك من عام ١٩٧٩ إلى عام ١٩٨٩، بحيث تشير تقديرات رسمية لمقتل ١٤ ألف جندي سوفييتي، وجرح ٥٠ ألف، مع مقتل ١,٥ مليون أفغاني.
ولفتت بيانات صادرة عن داعش إلى الإشارة لتلك الحرب المدمرة التي ساهمت في انهيار الاتحاد السوفييتي، كما أن تدخلاً برياً في سوريا لن يخدم شعبية بوتين ومكانته في بلاده.