نشرت مجلة سلايت الفرنسية؛ تقريرا حول الصدمة التي أصابت الكرملين على أثر حادث الطائرة الذي أودى بحياة 224 شخصا في صحراء سيناء، وقالت إن هذه العملية بعثرت أوراق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان يأمل في تحقيق النجاح في سوريا وحصد الإعجاب الشعبي وإظهار موقع روسيا كقوة عالمية.
وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته “عربي21″، إن ردة فعل أي نظام في مثل هذه المواقف هو التملص من المسؤولية، أو تفضيل خيار الصمت، وهذه هي ردة فعل بوتين، الذي كان حتى وقت قريب حاضرا بقوة في كل وسائل الإعلام المحلية، تأسيا بأسلوب من سبقوه من زعماء الاتحاد السوفييتي، الذين كانت أخبارهم وصورهم تتصدر أغلفة الصحف والمجلات.
ولاحظت المجلة أنه منذ حادثة الطائرة اختفى بوتين من المشهد الإعلامي، وفضل التسلح بالصمت، ما يذكر بموقفه إبان حادثة غرق الغواصة كورسك مع طاقمها المؤلف من 118 رجلا سنة 2000، حيث انتظر حينها ستة أيام ليدلي بتصريح حول الحادثة.
وقالت المجلة إن أسلوب بوتين له جذور تاريخية تعود إلى سنة 1941، حينما قام الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين بتكليف فاياشسلاف مولوتوف، الأمين العام للحزب الشيوعي، بإخبار الشعب السوفييتي بأن ألمانيا ستشن حربا على الاتحاد السوفييتي، قبل أن يخرج هو من صمته ويواجه شعبه.
ورغم الاختلاف بين الحالتين، فإن وجه الشبه يكمن في الصمت الرسمي الذي تتبناه السلطة، ففي حادثة الطائرة تبنى الإعلام الحكومي مباشرة فرضية الخطأ الفني لتبرير سقوطها، واستغرقت موسكو عدة أيام لتتخذ قرارها بمنع الطيران نحو مصر، ما يعد ضمنيا اعترافا بصحة فرضية العمل الإرهابي.
وقالت المجلة إن غالبية الخبراء؛ خلصوا إلى أن تنظيم الدولة يقف وراء الحادثة عبر فرعه في سيناء المصرية، وأن الحادثة تأتي في سياق الحرب التي تشنها روسيا على معارضي نظام الأسد في سوريا.
وأشارت إلى أن الحادثة ليست الأولى التي تشنها المجموعات الإسلامية ضد روسيا، فالعديد من الهجمات استهدفت روسيا من الداخل، طالت حتى العاصمة موسكو، وقد استغلتها السلطات لتزيد من ضغطها على الانفصاليين الشيشان، والجماعات الأصولية في عديد من الجمهوريات القوقازية، ما دفع بالمراقبين إلى توجيه الاتهام للكرملين بالوقوف وراء تلك الهجمات، لتبرير سياساته القمعية إزاء خصومه.
وقالت المجلة إن بوتين من خلال التدخل في سوريا؛ أراد أن يبرهن للغرب، وخاصة للخصم الأمريكي، أن لروسيا القوة والوسائل اللازمة لتحقيق أهدافها السياسية، عبر دعم بشار الأسد المتحالف مع إيران وحزب الله اللبناني.
وأوضحت أن روسيا تحلم بأن تحقق في سوريا ما عجز الغرب عن تحقيقه، وهو توجيه ضربات جوية بدعم بري من نظام بشار الأسد وإيران وحزب الله، لدحر قوات تنظيم الدولة، كما أنها تريد في الوقت نفسه إيقاف تقدم المعارضة المسلحة.
وقالت المجلة إن بوتين حذر جدا بشأن إرسال قوات برية إلى سوريا، فهو يخاف أن يغرق في مستنقع شبيه بالذي غرق فيه الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، رغم إرساله لقوات خاصة لحماية القاعدة الروسية في طرطوس، ومستشارين روس لتدريب جنود بشار الأسد.
وقالت أيضا إن بوتين لم يرسل قوات برية لسوريا، خوفا من 20 مليون مسلم سني روسي، لا يمكن التكهن بردود فعلهم حيال العدوان الذي يستهدف إخوتهم السوريين، رغم سعي الكنيسة الأرثوذكسية للترويج للتدخل الروسي باعتباره “حربا مقدسة“.
ولفتت المجلة إلى أن تنظيم الدولة أيضا تبنى إسقاط الطائرة الروسية باسم حربه المقدسة، معتبرا ضربته انتصارا على الصليب، الأمر الذي قد يؤلب الرأي العام الروسي ضد بوتين، بسبب إقحامه الكنيسة الأرثودكسية في المسألة، طمعا في إضفاء الصبغة الدينية على تدخله في سوريا.
وأفادت المجلة بأن الرأي العام الروسي يرفض التدخل العسكري لبلاده في سوريا، خاصة إذا صاحبه سقوط ضحايا روس جرّاء ذلك، وفي هذه الفترة تحاول روسيا جاهدة أن تقنع الرأي العام بأن أول جندي روسي سقط في سوريا قد مات منتحرا، ولم يقتل على يد الجماعات المسلحة.
وفي الختام، قالت المجلة إن موسكو لن تتراجع عن سياستها في سوريا، إذ إن الضربات الجوية الروسية قد زادت هذه الأيام ضد مدينة الرقة، التي تعتبر معقل تنظيم الدولة في سوريا، لكن روسيا قد تنسى أنها تخوض حربا غير نظامية، قد تضعها في المأزق ذاته الذي وقع فيه الغرب سابقا.
======================
دوغ ساوندرز – (غلوب أند ميل) 7/11/2015 :لماذا ترتفع الأسوار العرقية في الشرق الأوسط؟
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
لو أنك ذهبت في رحلة إلى الشرق الأوسط قبل جيلين، لكنتَ قد اندهشت من نسيجه الفريد بتنوعه العرقي والديني والثقافي. كانت شرائح كبيرة من السكان اليهود والمسيحيين تلعب أدواراً بارزة في كل من طهران وبغداد والقاهرة. وعاش الأكراد والعرب والدروز والأتراك واليهود، وطوائف متنافسة من كافة الأديان الإبراهيمية، كتفاً إلى كتف -ليس في سلام مثالي تماماً، وإنما في مناخ غامر من التسامح المستقر بشكل عام.
ولو أنك عبرت البحر الأبيض المتوسط خلال تلك السنوات في منتصف القرن الماضي، لوجدت أوروبا على الطرف النقيض من هذه التعددية. كانت العسكرة والقومية اللتان وسمتا ذلك القرن قد جعلتا بلداناً كانت متعددة الأعراق واللغات في السابق، بما فيها فرنسا وألمانيا، أكثر تجانساً بكثير. ثم جاءت المذابح والمحرقة، وأعقبتها عمليات الترحيل العرقية الجماعية والمسيرات الجبرية في نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي أعقبتها الحدود المغلقة: ولحقبة وجيزة حزينة، اتخذت أسطورة البلد وحيد العرق، التي ولدت فقط في القرن التاسع عشر، شكلاً شبه واقعي في أوروبا المنهكة.
الآن في العام 2015، أصبحنا نشهد تحولاً مذهلاً عن هذا النمط، حيث يستمر الغرب في أن يكون أكثر تعددية وتنوعاً، بينما يتراجع الشرق الأوسط متحولاً إلى مجموعة مجزأة من الدول والمناطق المتجانسة عرقياً ودينياً. في الأيام الأخيرة، أصبح هذا الاتجاه واضحاً بشكل مؤلم بعد فوز حزب رجب طيب إردوغان بأغلبية في انتخابات تركيا الوطنية الثانية لهذا العام، والتي أقيمت مؤخراً. وفي هذه الانتخابات شاهدنا بلده، والمنطقة من حولها، وهما يشرعان في التمزق والتحول إلى شذرات أحادية اللون.
في الانتخابات التركية الأولى التي جرت في حزيران (يونيو) الماضي، تم تجريد السيد إردوغان من الأغلبية على يد حزب الشعوب الديمقراطي الذي يهيمن عليه الأكراد. وفي الرد على ذلك، شن حملة من التقسيم العرقي القاسي، والخوف والقمع، مقوضاً المكاسب التي كان قد صنعها قبل عقد سابق في اتجاه جعل تركيا تعترف بهويتها متعددة الأعراق (بما في ذلك إضفاء الشرعية على اللغة الكردية والأحزاب الكردية، مثل حزب الشعوب الديمقراطي).
لكن أي أمل في أن ذلك كان مجرد حيلة لضمان إعادة انتخابه هذا الأسبوع، عندما صعّد السيد إردوغان حملة قصفه ضد المسلحين الأكراد، منهياً بذلك الهدنة القائمة، ومتعهداً بـ”تصفية” هؤلاء المسلحين. ولا يعني هذا فقط ترجيح استمرار تصاعد النزعة التركية-العرقية الشوفينية، وإنما يعني أيضاً ترك الأكراد مع القليل من الخيارات سوى القتال من أجل الحصول على منطقة مستقلة لهم في العراق وسورية.
لا يشكل تقسيم العراق وسورية إلى مناطق كردية وشيعية وسنية هدفاً رسمياً لتحالف الولايات المتحدة وروسيا وإيران وأوروبا والسعودية الذي تشكل كيفما اتفق لمحاربة مجموعة “الدولة الإسلامية”، وهو ما شرعت هذه الجهات في التفاوض عليه مؤخراً في فيينا. ويبدو أن النتائج المفضلة هي خلق دولة مستقرة ورسم نوعٍ من الخط المنقط الذي يتعقب تحولاً ما إلى نوع من النظام الجديد. لكن الأصوات التي تدعو إلى التقسيم العرقي، في داخل الولايات المتحدة وأوروبا، تصبح أعلى. وكذلك حال القوى التي تجعل ذلك أكثر احتمالاً. ومن خلال مساهماتها العسكرية المحدودة، تعتمد الكثير من البلدان على الأكراد للاضطلاع بالجزء الأكبر من القتال (وهو المكان الذي توجهت إليه مساهمة كندا العسكرية الصغيرة إلى حد كبير). وبطبيعة الحال، يتوقع الأكراد أن يكافأوا على ذلك. وسوف يكون من الصعب الإبقاء على سورية ما بعد الحرب والدكتاتورية متماسكة معاً.
في العراق المجاور، فقد النظام المفروض أميركا والذي يقوده الشيعة دعم معظم السكان السنة والأكراد، وينظر الكثيرون إلى العراق على أنه يصبح فيدرالية فضفاضة مكونة من ثلاث مناطق عرقية، بعاصمة اسمية. وفي الوقت نفسه، استثنت الحكومة الإسرائيلية اليمينية، أو غرّبت السكان العرب الذين يشكلون خُمس سكان البلد، إلى حد أن الكثيرين منهم لم يعودوا يعتبرون أنفسهم مواطنين إسرائيليين.
عربي 21