صُدم العالم والولايات المتحدة منذ أيام بخبر مقتل تسعة عشر طفلاً، تتراوح أعمارهم ما بين سبعة وعشرة أعوام في مدرسة ابتدائية جنوب تكساس.
ولم تمر ساعات حتى بدأت خيوط الجريمة تتكشف هوية القاتل، هو مراهق اسمه سلفادور راموس، كان طالباً في المدرسة قبل أن ينتقل منها إلى مدرسة ثانوية، ووفق بيان الشرطة، فالمهاجم “تصرف بمفرده “، كما استبعد “المركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب” وجود خلفيات إرهابية”.
سبق هذا الحادث بأيام حادث مماثل، إذ قام شاب أبيض بقتل عشرة أشخاص في نيويورك، غالبيتهم من الأصول الإفريقية في هجوم وصفته السلطات الأمريكية بأنه “عنصري”.
العنف والقتل خارج القانون مرفوض قطعاً، لكن ما هو مرفوض أيضاً ردّات الفعل المتناقضة على نفس الجرائم… فالإعلام يمارس أعلى درجات التحشيد والأحكام المسبقة، حينما يكون المشتبه فيها مسلماً، بل ويتطور الأمر إلى اعتداءات وتضييق ضد الجاليات المسلمة تحت ما يسمى بظاهرة “الإسلام فوبيا”، بينما يستحضر هذا الإعلام مصطلح “تصرف فردي” حينما يكون المجرم أبيضاً، كما حدث في مجزرة المسجدين بنيوزيلندا والتي راح ضحيتها 49 شخصاً.
ليس الإعلام بريئاً من نشر مصطلح “الإرهاب الإسلامي”، ولا بعض القادة الغربيين، الذين دأبوا على الترويج لهذا المفهوم وإدخاله ضمن الأجندات الانتخابية والصراعات الحزبية لإثارة غريزة القطيع لدى الناخب ودفعه لا شعورياً لتأييد الطروحات الراديكالية تجاه المسلمين أو المهاجرين.
هذه المناكفة السياسية لتحصيل المكاسب المؤقتة، تلقي بظلالها السيئة الدائمة على واقع المسلمين وحياتهم، وتجعل الأجواء مشحونة ضدهم وتكفي إشاعة واحدة أو تصرف فردي لتفريغ هذا الشحن عبر تجاوزات ومضايقات تمس حياة وكرامة الكثيرين.
المستفيد الآخر من ترويج هذا المصطلح، هو الأنظمة العربية المستبدة التي تمارس رذائلها ومجازرها بحق الناس، بحجة محاربة “الإرهاب الإسلامي”، وكأن أطفال مجزرة الحولة التي مرت ذكراها العاشرة منذ أيام هم الإرهاب بعينه، وغيرها الكثير من المجازر التي ترتكبها الأنظمة العربية المستبدة، وهي مطمئنة إلى أنها في مأمن من العقوبات الدولية، فالكل يحارب “الإرهاب الإسلامي” المزعوم.
لكننا إذا قرأنا الواقع بإنصاف وتتبعنا الحقائق والإحصاءات، لوجدنا أن المسلمين هم ضحايا “الإرهاب” حقيقةً، والذي حصد أرواح الآلاف في هذا العالم عبر مذابح مروعة، مثل مذابح الروهينغا في ميانمار وسربرنيستا في البوسنة والهرسك، والمجازر ضد الأقليات المسلمة في الصين والهند، ومذابح الخمير الحمر في كمبوديا ومذابح الروس في الشيشان وغيرها الكثير…لكن تبقى المجزرة الكبرى هي التي يرتكبها الإعلام بقلب المفاهيم وتحويل الضحية إلى مجرم وإصدار حكم الإدانة المسبق عليه.
محمد مهنا – مقالة رأي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع