بعد شهور من بدء ال ثورة السورية ، تحركت الجامعة العربية وأرسلت بعثة مراقبين على رأسهم الفريق أول الركن محمد أحمد مصطفى الدابي ، كانت مهمتهم مراقبة تنفيذ الخطة التي وضعتها الجامعة لسحب الجيش من المدن والإفراج عن المساجين السياسيين وإجراء محادثات مع زعماء المعارضة ومتابعة الأوضاع الإنسانية وبخاصة في مدينة حمص المشتعلة وقتها، لكن مهمة المراقبين فشلت، والجامعة العربية لم تيأس رغبةً منها أن يكون الحل عربياً ، لذا عادت وطرحت مبادرة جديدة خرجت بإجماع الدول العربية تقضي : أن تبداالمعارضة حواراً مع النظام لتشكيل حكومة وطنية ليسلَم بشار لاحقاً كامل صلاحياته إلى نائبه بالتعاون مع هذه الحكومة ، لإنهاء الأزمة ، وقد رحَب – وقتذاك – المجلس الوطني السوري المعارض بالمبادرة لكنَ النظام الأسدي رفضها ، معتقداً أنَ أياماً تفصل بينه وبين تحقيق انتصاره العسكري ، وكان قد قتل أكثر من 5000 إنسان بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، ومما يشد الانتباه أن بنود تلك المبادرة هي ذاتها تقريباً ما اتفقت الدول عليه في جنيف واحد وما حاول الابراهيمي تحقيقه في جنيف 2، وما يطرحه الوسطاء المتتابعون كحل سياسي مقبول بعد 250 ألف شهيد ، ومآسٍ وكوارث لاحصر لها . .
استلمت الأمم المتحدة بعد ذلك الملف السوري وأرسلت مبعوثها الأول كوفي عنان بالاشتراك مع الجامعة العربية، الذي أدرك بعد شهور من بدء مهمته انسداد أفق أي حلّ سلمي، فالنظام المدعوم روسيا وإيرانيا يتابع ألاعيبه بانتظار الانتصار العسكري، مما جعل السيد عنان يقدم استقالته إقراراً منه بعجزه عن أداء المهمة.
لكن بان كي مون لم ييأس من المحاولة وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يرغبون بمتابعة الوساطة للإيحاء بأن تحركاً أممياً يجري من أجل إنقاذ سورية، فأرسل الأخضر الابراهيمي بعد أن نال موافقة روسية إيرانية أميريكية على مهمته، والحق يقال : إنّ الرجل كان طويل النفس قليل الكلام حاول جاهداً الوصول إلى شيئ ما يستطيع البناء عليه وبقي يداور ويناور حتى عقد جنيف 2، وأمل أن يحقق منه شيئا مهماً مهما كان بسييطاً كإدخال مساعدات طبية وغذائية إلى الأحياء المحاصرة، لكن جهوده كسابقه باءت بالفشل وشعر الابراهيمي بأن مجاملاته للأسد التي وصلت بعض الأحيان لحد استثارة الشعب السوري لم تٌجدِ نفعاً وأن وقتاً مديداً مرّ دون أن يقطع خطوة واحدة في طريق السلام الطويل، فقدم استقالته معلناً بألمٍ وحسرة أن المجتمع الدولي لم يكُ جاداً بدعم محاولاته للحل، وأن الحل يحتاج لقرار دولي حاسم من روسيا وأمريكا أولاً، وأن الحالة لا تعتمد على شطارة الوسيط بقدر ما يعتمد الوسيط على دعم دولي حقيقي وتحديداً من دول مجلس الأمن مجتمعة.
لكن بان كي مون الذي لا يزال كثير القلق لما يحدث في سوريا، وبدفعٍ من دول مجلس الأمن أيضاً، أعاد الكرّة فأرسل ستيفان دي ميستورا علّه ينجح فيما أخفق الآخرون فيه.
بدأ ميستورا هذا جولاته وقابل كل من له علاقة بالمأساة السورية عدا أصحاب المأساة أنفسهم وخرج بأفكار تبدأ من الصفر، أي أن يحقق أصغر الأهداف لعلها تكبر ككرة الثلج ويصل إلى الحل الموعود، والحقيقة أنّ ما طبّل وزمّر له الإعلام الغربي حول الجديد لدى ميستورا كانت الجامعة العربية قد طرحته منذ أكثر من سنتين وبتوازن أكبر ، لكنَ دي ميستورا وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية التي تستعجل أي حلٍ كما يبدو ، فكَر وتدبر ، وناور وداور ، ودارى وجامل ، وأتاح لفريقٍ أن (ينفش ريشه ) أمام الإعلام المحلي والعالمي ، وقدَم عناوين اقتراحات دون أن يتشاور حولها مع الفرقاء المعنيين كافة ، ومَرَت الأيام .. وبدأ عَدَاد الزمن يتعب ، ولم يتحقق شيء مما أمل فيه ، وكيف يمكن أن يتحقق وعوامل الفشل التي إن نقص منها عاملٌ زاد عليها اثنان ، فالموقف الدولي تراخى بدل أن يتوجه إلى الحسم ، وجعل الحرب على داعش أولوية لديه ، وتعامى عن أي إرهاب آخر ، والنظام الأسدي مع مستشاريه الإيرانيين مازال يحلم بالحسم العسكري ، وقوى المعارضة غير قادرة على الحسم العسكري أيضاً ، والمعادلة التي يأملها بعضهم بإقامة تحالف بين الأسد والمعارضة لمواجهة داعش مستحيلة الحل ، بل قد تسبب إن رضي البعض بها انخراط كثير من الشباب السوريين بالتنظيمات الإرهابية .
لذا ، بدون تحقيق أي تغيير في عوامل الفشل ، من المحال تحقيق أي تقدم ، ومسألة وصول دي ميستورا إلى قناعة من سبقه مسألة وقت ، سيقدم استقالته بعدها ، ولا أظن أنه من المبكر طرح مثل هذه النهاية .
على دي ميستورا وغيره من الوسطاء الاقتناع بأن حلاً للمشكلة السورية لن يصل إليه أحدٌ منهم ، لأنه ببساطة يطبخ بمطبخ آخر بعيد عنهم ، وعندما تنضج الطبخة ما عليهم إلا أن يوقعوا مع غيرهم عليه . فهل يستطيع سوريو المعارضة تقديم شيءٍ من مكونات تلك الطبخة – على الأقل – بعد أن يتوحدوا ويكونوا القوة التي تستطيع تقديم النكهات اللازمة لها ؟؟؟ فلْنتفاءل بالخير علَنا نجده .
حذام زهور عدي – اتحاد الديمقراطيين السوريين
19/2/2015