تنتشر الكثير من المواضيع والمقالات وحتى الكتب التي تناولت موضوع الصحافة الالكترونية من الجانب النظري، من حيث كونها “نوع من الاتصال بين البشر يتم عبر الفضاء الالكتروني، تستخدم فيه فنون وآليات الصحافة المطبوعة، مضاف إليها مهارات وآليات تقنيات المعلومات”.
إذ هو تخصص فرضته البيئة التي يعمل فيها الصحفي (أي الإنترنت)، تتطلب فهما أكبر لهذه البيئة واكتساب مهارات أخرى، إلى جانب المهارات الصحفية التي اكتسبها الصحفي خلال المرحلة الدراسية والمهنية.
وفي الواقع لا توجد تسمية واحدة أجمع عليها المهتمون لإطلاقها على هذا المجال. فاشتهرت باللغة العربية تسميات كثيرة، منها الصحافة الالكترونية، الصحافة الرقمية، صحافة الانترنت، صحافة الويب، الإعلام الرقمي … إلخ. ونفس الشيء في اللغات الأخرى مثل اللغة الإنجليزية، التي نجد فيها تسميات مثل:
(Web journalism), (Online journalism), (Digital journalism).
والواضح أن كل تمسية رافقت هذا التخصص حاولت النظر للموضوع من زاوية محددة، فهناك تسميات اتخذت من التقنيات الحديثة منطلقا لها، مثل الصحافة الالكترونية أو Digital journalism. وهناك تسميات انبت على مآل المادة الصحفية، بمعنى أين ستم نشر هذه المادة في نهاية الأمر، أي الانترنت، مثل Web journalism أو Online journalism.
صحافة الموبايل وصحافة الفيديو
كما برزت تسميات لتخصصات أخرى مرتبطة بشكل كبير بالصحافة الالكترونية، مثل صحافة الموبايل Mobile journalism، أين يستخدم الصحفي هاتفه الذكي في إنتاج المحتوى – كالتقاط الصور أو الفيديو – الذي قد يصلح لعمل قصة خبرية. وهناك أيضا صحافة الفيديو Video journalism (والحقيقة أن صحافة الفيديو قديمة بعض الشيء)، أين يقوم الصحفي باستخدام الكاميرا دون مساعدة من أحد في أغلب الأحيان.
وشخصيا، لا أعتبر هذه المجالات “تخصصات” بالمعنى الحرفي للكلمة، بل هي مهارات، من الجيد من أن يتقنها الصحفي في أيامنا هذه.
وأيا كان الأمر، أعتقد أن ما يميز هذا النوع من الصحافة عن باقي الأنواع الأخرى، المكتوبة، والتلفزيونية والإذاعية، هو ثلاثة مسائل:
- أنه عمل صحفي، يقوم به صحفي ولفائدة مؤسسة إعلامية. وهذه مسألة مهمة حتى نميز هذا المجال عن مجالات أخرى ظهرت في السنوات الأخيرة وانتشرت عبر الانترنت، مثلما اصطلح على تسميته صحافة المواطن أو التدوين … إلخ. فهذه كلها قد تعتبر كمصادر للمعلومة ولا يمكن اعتبار العمل الذي تقوم به عملا صحفيا، حتى وإن استخدمت أساليب العمل والكتابة الصحفية.
- استخدام التقنيات الحديثة الذي بات جزء لا يتجزأ من عملنا اليومي. فكلنا نستخدم جهاز الكمبيوتر لكتابة النصوص أو للنشر على الإنترنت. كما نستخدم المسجلة أو الهاتف لتسجيل حوار أو لقاء صحفي.
- بالنسبة للنقطتين (1) و(2)، يشترك فيهما الصحفي الذي يعمل في الصحافة الالكترونية مع الصحفيين في أنواع الصحافة الأخرى، فالجميع يقوم بعمل صحفي وبات يعتمد على التقنيات الحديثة في عمله اليومي. لكن ما يميز الصحافة الالكترونية أو الرقمية عن البقية، هو أن المحتوى يتم وضعه أو نشره على الانترنت، وليس في جريدة ورقية أو بثه عبر أثير الإذاعة والتلفزيون.
عندما بدأت الانترنت تعرف انتشارا منتصف التسعينات، كانت الصحافة هي من أوائل المجالات التي اقتحمت هذه الوسيلة، ويعود ذلك إلى الفرص التي أتاحتها الإنترنت :
- الإنترنت وسيلة سريعة لإيصال المعلومة.
- تكلفة أقل أو قد تكون منعدمة ، فلا تتطلب كل تلك الإمكانيات أو التجهيزات الضخمة والمكلفة التي تتطلبها الأنواع الأخرى للنشر وإيصال المعلومة.
- لا حواجز زمنية أو مكانية ، فكل وسائل الإعلام الأخرى، يشكل هذان العاملان فيها من أكبر التحديات. لكن من خلال النشر على الانترنت يمكنك إيصال أو الوصول إلى المعلومة في أي وقت شئت وبالحجم والكيفية التي تراهما مناسبين.
- استيعاب مختلف أشكال المحتوى (النص، الصورة، الفيديو … ). فقد ساعد المجال الرقمي الصحافة الالكترونية على اختزال كل وسائل الإعلام الأخرى في وسيلة واحدة.بل استطاعت الانترنت أن تبتكر أنواع أخرى للمحتوى، أكثر تفاعلية، فظهرت الخرائط التفاعلية، والبيانات التفاعلية، كما ظهرت الشبكات الاجتماعية وما أتاحته من سهولة في إنتاج ومشاركة المحتوى مع الآخرين.
يقال أن “واشنطن بوست” هي أول صحيفة أمريكية أنشأت مواقعا لها على الانترنت منتصف التسعينات. وقد كلفها ذلك ملايين الدولارات، بينما تكلفة إنشاء موقع على الإنترنت، بعد مرور أكثر من 20 سنة، لا يكلف كل تلك الأموال الطائلة، أو قد لا يكلف شيئا على الإطلاق. فيكفي أن تنشئ صفحة على فايسبوك أو مدونة على (Blogger)، وتشرع في نشر المحتوى يوميا لمئات الزوار والمتابعين حول العالم.
عادل راوتي