الآن وبعد أن هزمت داعش في سوريا، هل ستوقف الحكومة الأمريكية دعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكري وحدات حماية الشعب،الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني؟ وقد نوقش هذا السؤال خلال المكالمة الهاتفية التي أجريت أخيرا بين الرئيس، رجب طيب أردوغان، والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني. وكان رد ترامب إيجابيا، مضيفا أن الدعم العسكري الضخم الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى وحدات حماية الشعب كان ينبغي أن ينتهي من قبل. ولم تمض سوى بضعة أيام حتى أصدر البنتاغون بيانا يتناقض مع تصريح ترامب. فماذا يعني ذلك كله بالنسبة إلى سوريا وتركيا والعلاقات التركية الأمريكية؟
تظهر التصريحات المتناقضة الصادرة عن واشنطن التباينات داخل الادارة الامريكية الحالية. يمكن للمرء أن يفترض أن كلمة الرئيس نهائية، ويجب أن تمتثل لها الوكالات ذات الصلة. توقعت أنقرة أن توقف واشنطن دعمها العسكري والمالي والسياسي للفروع السورية لحزب العمال الكردستاني بعد هزيمة داعش في الرقة وبقية سوريا. وفي النهاية، كرر مسؤولون أمريكيون للسلطات التركية أن علاقتهم مع حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية حزب الشعب كانت “عابرة مؤقتة” وأن الأسلحة التي أعطيت لهم ستسترد.
وتستند السياسة الأمريكية الداعمة لجماعة مرتبطة بالإرهابيين في سوريا إلى الادعاء بأنها القوة الأكثر فعالية ضد داعش. ومن أجل تقديم مزيد من التبرير لذلك الادعاء، نشرت وسائل الإعلام الأمريكية عدة تقارير على مدى العامين الماضيين مع صور لفتيات مقاتلات في صفوف وحدات حماية الشعب. ومعظم هذه التقارير تبيض صفحة حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب من الجرائم التي ارتكبوها في سوريا، بما في ذلك اضطهاد السكان المحليين، من الأكراد والعرب، والتهجير القسرى للسكان المحليين، والتغيير الديموغرافي، وتجنيد الأطفال، وتدمير القرى، وإغلاق الأحزاب السياسية المعارضة، ومكاتبها ووسائل الإعلام، فضلا عن كثير من الجرائم الأخرى.وذهبت هذه التقارير أبعد من ذلك، وتغزلت في إرهاب حزب العمال الكردستاني باستخدام صور النساء، وهي أداة ناجعة لبيع الدعاية للجماهير الغربية، ولكنها إهانة للجسد والشخصية الأنثوية. ومن بين المفارقات الكثيرة لهذه السياسة، هذه المفارقة المدهشة: أن حليف أمريكا الأفضل في سوريا هو منظمة إرهابية ماركسية لينينية تحارب تركيا، التي هي حليف رئيسي للولايات المتحدة، وتسعى إلى الحكم الذاتي والاستقلال النهائي في سوريا.
إن الادعاء بأن وحدات حماية الشعب هي القوة الأكثر فعالية ضد داعش لا علاقة له بالحقائق المطروحة على الطاولة. ولو كانت الولايات المتحدة قد قدمت الدعم إلى مجموعة أخرى مثل الجيش السوري الحر أو التركمان أو جماعات كردية غير حزب العمال، لصاروا القوة الأكثر فعالية ووجهوا ضربة قوية لداعش دون التسبب في أي مشاكل أمنية للدول المجاورة. وبدلا من ذلك، نبذت الولايات المتحدة جماعات المعارضة الأخرى واختارت العمل مع جماعة إرهابية ماركسية لينينية قومية انفصالية.
وهذه مسألة خطيرة ترتبط بوحدة أراضي سوريا وأمن تركيا القومي. هل ستكون الولايات المتحدة قادرة على نزع سلاح وحدات حماية الشعب والسيطرة عليه بعد هزيمة داعش وضمان التزامها بوحدة سوريا وسلامة أراضيها؟ هذا أمر مستبعد؛ لأن الولايات المتحدة تستخدم حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب لأغراضها الخاصة، مثلما يستخدمان هما أيضا الولايات المتحدة لمصالحهما.
أما اعتراض تركيا على هذه السياسة، فهو اعتراض مبرر تماما؛ لأن أي دعم يقدم إلى حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب هو دعم غير مباشر، ودعم مباشر في بعض الحالات، لحزب العمال الكردستاني، ومن ثم فهو يشكل تهديدا للأمن القومي لتركيا. إن كل سلاح وكل رصاصة ترسل إلى وحدات حماية الشعب هو خطوة لإطالة عمر حزب العمال الكردستاني.
والآن وبعد هزيمة داعش في سوريا، يجب على الإدارة الأمريكية أن تنهي ارتباطها بحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، وأن تركز على تأمين الوحدة السياسية السورية وسلامة أراضيها تحت مظلة محادثات السلام في جنيف وأستانا. وكما أعلنت جماعات المعارضة السورية في الرياض يوم 22 نوفمبر / تشرين الثاني، يجب على بشار الأسد الرحيل كجزء من عملية الانتقال السياسي، لأنه ليس الشخص الذي يضمن وحدة سوريا أو استقرارها. وإذا كانت إيران وروسيا تريان أن الأسد أفضل حليف لهما، فإن عليهما إدراك أن مصالحهما في سوريا لن تتحقق مع بقاء الأسد في السلطة.
ولكن ثمة قضية أكبر وأخطر في الوقت الحالي، حيث تتشكل في سوريا ما بعد داعش، لعبة جديدة للسلطة تتنافس فيها دول لتحقيق مكاسب استراتيجية وإقليمية في سوريا. تريد روسيا وإيران ضمان نفوذهما في سوريا بإبقاء الأسد في السلطة، بينما تستعد الولايات المتحدة للبقاء شرق نهر الفرات كقوة موازنة لهما. ولكن هذا لن يؤدي إلا إلى صراعات جديدة وعدم استقرار في سوريا وخارجها. ومن المرجح أن يؤدي التدافع على سوريا إلى إثارة مزيد من التوترات الإثنية والطائفية، وتفكك سوريا، وإرساء الأساس للموجة التالية من التهديدات الأمنية المحتملة.
وبدلا من ذلك، ينبغي أن تركز جميع البلدان على التحول السياسي وتسليم الدولة السورية والأراضي إلى أصحابها الشرعيين، أي الشعب السوري. ومن مصلحة جميع أصحاب المصلحة العملُ مع الشعب السوري نفسه من أجل الوحدة السياسية والانتقال والاستقرار. إن تحويل سوريا إلى ساحة للمواجهة بين القوى العظمى لن يستفيد منها أحد.أن روسيا مع بعد الأسد وما بعد داعش يجب أن تكون سببا لاحتفال الشعب السوري وملايين اللاجئين بدلا من الدخول في مغامرة أخرى في مواجهة جيوسياسية مكلفة.
ترك برس