مفصل جديد من مفاصل الأزمة السورية ، تمثل مؤخرا بتهديات تركية على أعلى المستويات لبشار الأسد ونظامه ، من أن تركيا لن تبقى تقف مكتوفة الأيدي أمام المجازر التي يرتكبها النظام وحلفاءه من الروس والميلشيات الإيرانية ، في إدلب ، بالإضافة إلى عمليات التهجير الواسعة ، حيث أن تركيا بدأت تشعر أنها تعرضت لخديعة كبرى ، من خلال اتفاقيات خفض التصعيد ، ووقف إطلاق النار ، التي لم يتحقق منها شيء .. بل كان ذلك على حساب نفوذها في الشمال السوري ، ومناطق الحماية الحدودية التي كانت تسعى لتأسيسها ، درءا من مخاطر حزب العمال الكردستاني وأدواته في سوريا .
ولعل المراقب لتفاصيل التحركات العسكرية التركية الأخيرة ، وزجها بعدد كبير من القوات إلى داخل سوريا ، لا بد أن يدرك بأنها تحضر لعمل ما من شأنه أن يقلب الموازين والأوراق ويخلطها من جديد .
بل إن البعض يرى أن تركيا ، تريد أن تعيد الأمور إلى ما قبل مؤتمرات أستانة ، والتي خسرت المعارضة من خلالها أكثر من 80 بالمئة من المناطق التي كانت تسيطر عليها ، وذلك ردا على انتهاكات النظام والروس ، لجوهر الاتفاقيات التي نتجت عن تلك المؤتمرات ، وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ، إن كانت تركيا قادرة على هذا الأمر أم لا ..؟
مما لا شك فيه أن الوضع الدولي حول سوريا يزداد تعقيدا ، وخصوصا بعدما أعلنت أمريكا ، أنها مهتمة بما يجري في إدلب ، ويعنيها كثيرا أن لا يبسط النظام سيطرته على كامل الأراضي السورية دون التوصل إلى حل سياسي ، وذلك عبر مبعوثها الدائم إلى سوريا ، جيمس جيفري ، الذي زار تركيا قبل أكثر من أسبوعين ، والتقى بعدد من المعارضين السوريين ، والقيادات السياسية التركية .
لكن الموقف الأمريكي غالبا لا يمكن قراءته عبر التصريحات والتحركات السياسية ، وإنما من خلال التحركات العسكرية على الأرض .. وهو ما أعلنت عنه أمريكا ، من نيتها إرسال بعض الوحدات العسكرية لكي تكون موجودة في إدلب ، ومراقبة الأوضاع عن كثب .
هذا الموقف الأمريكي الجديد ، زاد من قوة الموقف التركي ، الذي تصاعدت حدة تصريحات مسؤوليه السياسيين في الآونة الأخيرة إلى أن وصلت إلى حد التهديد المباشر لبشار الأسد ونظامه بالتدخل ووقف المجازر التي يرتكبها بحق شعبه .
وما يجعلنا نتطلع إلى أن هذه التهديدات جدية ، وتختلف عن سابقتها ، هو اشتداد عود الفصائل المسلحة في إدلب ، وتلقيها جرعة دعم كبيرة ، حيث أن الحديث اليوم عن سيطرة النظام على كامل محافظة إدلب ، هو أمر شبه مستحيل عسكريا ، وقد بدأ النظام والروس يدركون خطورة التهديدات التركية والأمريكية على حد سواء ، ويأخذون بالاعتبار ضرورة تحريك الحل السياسي .
باختصار ، هناك أشياء كثيرة نستطيع أن نترقبها في الفترة القادمة ، وسوف يكون لها دور مؤثر على صعيد الأزمة السورية .. وما حصل سابقا ليس نهاية المطاف .. وكون الثورة السورية لازالت مستمرة منذ نحو تسع سنوات ، فإن ختامها لن يكون بالشكل الذي يخطط له النظام وحلفاؤه .. بل لازال هناك الكثير من الأقوال الاخرى التي لم تظهر على السطح حتى الآن ..
قاسيون ـــ خاص