يبدو أن ما بين الغرب والدكاتورية المتحكمة في إيران جيلًا بعد من بعد جيل أكثر من زواج كاثوليكي فكلما أوجد الشعب سلطة أو مسارًا ديمقراطيًّا وطنيًّا أو سعى إليه تكالب عليه الغرب ووأد محاولاته أو خلق لها بدائل دكتاتورية لتخلفها وكان استخلاف دكتاتورية زمرة الملالي لدكتاتورية الشاه خير دليل على ذلك؛ بالإضافة إلى الدعم السافر الذي يقدمه الغرب اليوم لنظام الملالي بزعامة ولي الفقيه علي خامني، ومن يتابع مسار العلاقات الغربية مع دكتاتوريتي الشاه والملالي يجد ببساطة أن كلا النظامين يكمل أحدهما مسيرة الآخر كخليفة له تلبية لمصالح ومخططات من أوصلوهم إلى السلطة وعززوا قدراتهم ومواقفهم ومكنوهم من الهيمنة على المنطقة وجعلها منطقة أزمات واقعة بين احتلالين توسعيين مدعين باسم الدين أحدهما في طهران ويحتل أربعة عواصم عربية، والثاني باسم الدين أيضًا في تل الربيع محتلًّا لفلسطين ساعيًا إلى التوسع، ولا يُستبعد أن يكون هناك تنسيق خفي بين كلا النظامين التوسعيين لطالما تمتع كلاهما بدعم وإسناد غربي علني.
دعم تيار الاسترضاء والمهادنة في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية النظام الإيراني في السر وفي العلن ومكنه من تقنيات عسكرية وفنية وتغاضى عن انتهاكات ملالي طهران لحقوق الإنسان وقتلهم الأطفال والنساء الأبرياء العزل على أرضية، وعن حصارهم وارتكابهم جرائم قتل وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية بحق معارضين إيرانيين محميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة في مخيم أشرف على الأراضي العراقية لأسباب سياسية، ويتوالى التغاضي الغربي عن جرائم وانتهاكات الملالي داخل إيران وفي الشرق الأوسط وقد وصل الأمر إلى السماح لوزير خارجية الملالي باعتلاء منبر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على الرغم من جرائم نظامه وانتهاكاته لحقوق الإنسان وكذلك السماح قبله لـ إبراهيم رئيسي والجلوس التحدث تحت قبة الأمم المتحدة رغم أنه شخصٌ مُدان بجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وممارسة سياسة فصل عنصري، واليوم السماح لإبراهيم رئيسي بالمشاركة في المنتدى العالمي للاجئين لولا تراجع رئيسي في اللحظات الأخيرة عن المجيء إلى جنيف والمشاركة في المنتدى خوف العار الذي ستلحقه به التظاهرات السلمية في سويسرا وأوروبا.
الكيل بمكيالين
لا يوجد مبرر للكيل بمكيالين وانتهاك القوانين والأعراف الدولية من قبل أي طرف، سواء كان من الدول التي تعترف بها الأمم المتحدة أو من غيرها، وإن احترام حقوق الإنسان هو مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي، وهو واجب على جميع الدول، بغض النظر عن نظامها السياسي أو اقتصادها.
إن السماح للدول التي تنتهك حقوق الإنسان بالمشاركة في المنتديات الدولية، مثل منتدى الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، يبعث برسالة خاطئة مفادها أن هذه الانتهاكات مقبولة.
إننا بحاجة للضغط على جميع الدول بما في ذلك الدول التي لا تعترف بها الأمم المتحدة، لاحترام حقوق الإنسان، ويجب أن نستخدم كل الوسائل المتاحة لنا بما في ذلك الدبلوماسية والعقوبات لضمان أن تتم محاسبة الدول المارقة التي تنتهك حقوق الإنسان كنظام الملالي الحاكم في إيران، ومع الأسف لايزال الغرب وأمريكا يكيلون بمكيالين وأكثر اليوم خاصة مع نظام الملالي الدموي الحاكم في إيران.
ما السر وما هذه التناقضات بين طهران وواشنطن والغرب
إن العلاقة بين طهران وواشنطن والغرب معقدة وتشوبها حالةٌ من استعراض التوترات بين الحين والآخر لكن تلك العلاقة كانت داعمة للدكتاتوريات الحاكمة في إيران ولازالت، وهناك عدد من العوامل التي سادت تلك الحقب الدكتاتورية على الرغم من إدعاء الغرب وأمريكا بالديمقراطية؛ ومنها:
• التدخل الأمريكي في إيران عام 1953: أدى دعم الولايات المتحدة للإطاحة بالديمقراطية المنتخبة في إيران عام 1953 إلى استياء عميق في إيران.
• حرب الخليج الأولى والثانية: دعم الولايات المتحدة والغرب لنظام الملالي منذ قيامه وإلى اليوم.
• البرنامج النووي الإيراني: استمرار حالة الاستعراض بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وملالي إيران من جهة أخرى بالهجوم والنفي بشأن سعي الملالي إلى تطوير سلاح نووي، وهو أمر ينفيه ملالي إيران.
• دعم إيران للمنظمات الإرهابية: تنسيق الولايات المتحدة وملالي إيران حول مستجدات الأوضاع السياسية في العراق وتمكين الملالي من العراق وبدورهم أي الملالي قد مكنوا جماعات إرهابية مسلحة من حكم العراق على الرغم من أنها تمثل تهديدًا لأمن واستقرار المنطقة.
• تدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول المجاورة: تتهم الولايات المتحدة ملالي إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، مثل سوريا والعراق واليمن، وأنها تسعى إلى توسيع نفوذها في المنطقة على الرغم من أن الولايات المتحدة هي التي مكنت ملالي إيران من الهيمنة على المنطقة.
القيم:
• النظام السياسي الإيراني: السلطة التي يدعيها النظام الإيراني سلطة حكمٍ ديني سياسي يهيمن عليه ملالي إيران بزعامة علي خامنئي ومن قبله خميني اللذان جعلا من الدين غاية لبلوغ السلطة، ورغم أن هذا يتعارض بشكل كبير مع النظام الليبرالي الديمقراطي في الغرب إلا أن الغرب يدعمها ويتغاضى عن جرائمها.
• سجل حقوق الإنسان الإيراني: إيران لديها سجل سيئ في مجال حقوق الإنسان بما في ذلك الإعدامات خارج نطاق القضاء والتعذيب والتمييز ضد المرأة.
المصالح:
• النفط: إيران لديها احتياطيات نفطية كبيرة، وهو أمر يثير اهتمام الولايات المتحدة وحلفائها.
• أمن الخليج: تأتي أهمية منطقة الخليج كمنطقة استراتيجية مهمة لتدفق النفط العالمي، ولدى ملالي إيران القدرة على خلق أزمات بالمنطقة تحت هذا العنوان وهو الأمر الأهم قبل أهمية عملية تعطيل تدفق النفط، وهو الأمر الذي يخدم الولايات المتحدة وحلفائها، فبيع النفط للغرب مضمون، ولكن أموال بيع هذا النفط يجب أن يكون للغرب سهما منها وهذا ما توفره الأزمات التي يصنعها ملالي إيران.
• النفوذ الإقليمي: لا يتعارض مسعى نظام ولاية الفقيه إلى توسيع نفوذه في المنطقة مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، ويتعارض مع مصالح العرب ودول المنطقة فقط.
اتخذت إدارة بايدن في السنوات الأخيرة نهجًا أكثر دبلوماسية تجاه النظام الإيراني في محاولة التوصل إلى اتفاقٍ بشأن البرنامج النووي الإيراني، ومع ذلك لايزال هناك الكثير من الشكوك حول ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق، وما إذا كان سيؤدي إلى تحسين العلاقات بين ملالي إيران والغرب، لكن الحقائق على أرض الواقع توحي بوجود ما هو مبطن بين الطرفين الأمر الذي يثير الشكوك في مصداقية الغرب بشأن ما يُعلنه ضد النظام الإيراني؛ كما أن هناك تقنيات تسليحية وأمنية وفنية، ودعمًا سياسيًّا مبطنًا وماليًًا للملالي أيضًا، وتغاضيًا على مستوى الدول ومؤسسات الشرعية الدولية عن كل جرائم وانتهاكات النظام منذ أربعة عقود ونصف، وعلى الرغم من استعراض العداء بين تلك الأطراف ونظام الملالي إلا أن الحقيقة الكامنة وراءه كانت أكثر وضوحًا من ذلك العداء خاصة إذا ما قورنت بتسلسل الأحداث إقليميًّا وعالميًّا وطريقة التعاطي معها.. وآخرها أحداث أوكرانيا ومجازر غزة.
ماذا تعني مشاركة مُدان بجرائم إبادة جماعية بمؤتمر أممي رسمي في جنيف
تعني مشاركة مُدان بجرائم إبادة جماعية بمؤتمر أممي رسمي في جنيف إهانة للضحايا وعائلاتهم، ورسالة خاطئة مفادها أن جرائم الإبادة الجماعية مقبولة؛ هذا على الرغم من أن جرائم الإبادة الجماعية هي جريمة من أبشع الجرائم التي يمكن أن يرتكبها الإنسان، وهي جريمة ضد الإنسانية بأكملها، ولذلك فإن السماح لمرتكبي هذه الجرائم بالمشاركة في المنتديات الدولية مثل مؤتمر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومنتدى اللاجئين في جنيف يبعث برسالة خاطئة مفادها أن هذه الجرائم مقبولة، وأن مرتكبيها لن يحاسبوا على أفعالهم.
وعلى الرغم من أن بعض المراقبين يرون أن مشاركة مُدان بجرائم إبادة جماعية في مؤتمر أممي رسمي قد تسهم في فتح باب الحوار مع المجتمع الدولي حول قضايا حقوق الإنسان، إلا أن البعض الآخر يرى أن هذه المشاركة لا قيمة لها، وأنها لن تؤدي إلى أي تغيير ملموس في وضع حقوق الإنسان في بلد المُدان بل ستزيد من تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان وتصاعد حالات الإعدام والقمع وغيرها من الانتهاكات.
ولذلك، فإن السماح لمرتكبي جرائم الإبادة الجماعية بالمشاركة في المنتديات الدولية مثل مؤتمر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف هو أمر غير مقبول، ويجب أن يُدان من قبل المجتمع الدولي.
التاريخ
في الختام، العلاقة بين طهران وواشنطن والغرب معقدة ومتعددة الأوجه، هناك تاريخ طويل من التوترات بين الدول، لكن هناك أيضًا بعض المصالح المشتركة، ومستقبل العلاقات بين هذه الدول يعتمد على عدد من العوامل من بينها نتيجة المحادثات النووية الإيرانية وسلوك القادة السياسيين في جميع الدول المعنية، والخيار الواجب اتباعه من قبل المجتمع الدولي اليوم هو الوقوف بحزم في وجه نظام الملالي ودعم وإسناد الشعب الإيراني ومقاومته وبرنامجها من أجل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في إيران إن كان هناك مصداقية لما يرفعه الغرب من شعارات، وقد أثبت التاريخ أن الشعوب هي المنتصرة دائمًا، وأن صفحات التاريخ السوداء تبقى خالدة على الدوام، وعلى الجميع تجنب الإصابة بعار التاريخ الذي لا يُمحى ولا يزول.
د.سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي