تطرق الكاتب التركي، فهيم تاشكين، في مقالة نشرتها صحيفة “دوفار” التركية الناطقة باللغة الإنكليزية إلى التحركات الروسية المكثفة في دمشق مؤخراً، ودلالاتها في هذا التوقيت.
يقول “تاشكين” إن الاستراتيجية الروسية في سوريا دخلت مرحلة جديدة، تمثل مزيجاً من الواقع الصعب في الميدان والتصور المضلل بوجود أمل في الانسحاب. تريد موسكو أن تقرن مكاسبها العسكرية بالتقدم الاقتصادي وتحقيق حل سياسي، في حين كان بإمكان المرء أن يتوقع كيف ستختار روسيا مواجهة قانون قيصر الأمريكي، الذي كان خطوة تهدف إلى سحق نظام أسد، أرسلت موسكو دبلوماسييها في مهمة إلى دمشق في 6 و7 أيلول. حيث كان نائب رئيس الوزراء يوري بوريسوف أول الواصلين، تلاه وزير الخارجية سيرغي لافروف الذين التقيا بشار الأسد ووزير الخارجية وليد المعلم ومسؤولين آخرين.
ناقش المسؤولون الروس حزمة التعاون الاقتصادي، وكذلك تجديد 40 مؤسسة مهمة للغاية بما في ذلك محطات الطاقة ومنشآت النفط والغاز الطبيعي؛ كان الهدف هو إتمام هذه الصفقات بحلول نهاية العام. وتشمل الصفقة أيضاً التنقيب عن المواد الهيدروكربونية في المياه الإقليمية. أي أن روسيا تريد الدخول في لعبة الطاقة التي تُلعب حاليًا في شرق البحر المتوسط عبر سوريا.
إلى جانب تدخلها العسكري، كانت روسيا تسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية على مدى السنوات الثلاث الماضية. إذ يتابع المقربون من الكرملين مصالحهم في سوريا. حيث تعاقدت بالفعل “ستوري ترانس غاز” المملوكة من قبل، جنادي تمشنكو، والتي تخضع للعقوبات الأمريكية، لتشغيل منجم للفوسفات بالقرب من مدينة تدمر السورية لمدة 49 عاماً وتشغيل ميناء طرطوس لمدة 50 عاماً.
وكانت نفس الشركة قد تولت في السابق بناء معمل معالجة الغاز الجنوبي (GPZ-1)، على بعد 50 كيلومتراً من حمص، ومحطة معالجة الغاز الشمالية (GPZ-2) الواقعة على بعد 75 كيلومتراً جنوب شرق الرقة. في عام 2017، كما مُنحت الشركة نفسها أيضاً تراخيص استكشاف النفط والغاز في المناطق البحرية في كل من طرطوس وبانياس.
كذلك وقعت اتفاقية مماثلة مع شركة “سويوز” للنفط والغاز قبل سبع سنوات. وعقدت صفقات مع شركات روسية عديدة أخرى للتنقيب عن النفط وتجديد حقول النفط وصيانة المصافي. علاوةً على مصادقة برلمان أسد في كانون الأول 2019 على ثلاث صفقات منفصلة مع شركتي ميركوري وفيلادا الروسيتين للتنقيب عن النفط وإنتاجه في شمال شرق سوريا، وكذلك عن الغاز شمال العاصمة دمشق. من الجدير بالذكر أن شركة ميركوري هي إحدى شركات مؤسس “واغنر”، يفغيني بريغوزين.
تمثل حزمة التعاون الاقتصادي التي قدمتها موسكو إلى دمشق في تموز الماضي، والتي تتألف من 40 بنداً، مرحلة جديدة في ظل تحديات الوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا. تدرك روسيا أن المكاسب العسكرية لن تترجم بالضرورة إلى انتصارات سياسية، تضيف أبعاداً جديدة لتدخلها. بالطبع، يمكن اعتبار هذا أيضاً عائد الاستثمار في الحرب لمدة خمس سنوات. لكن القضية ما زالت تدور حول كسب الحرب.
عين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سفير موسكو في دمشق، ألكسندر إيفيموف، كثالث مبعوث خاص له لتطوير العلاقات مع نظام أسد في أيار من العام الماضي. بالرغم من وجود مبعوثين سابقين هما مبعوث الكرملين الخاص لسوريا، ألكسندر لافرنتييف، والمبعوث الرئاسي الخاص للشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف.
انصب تركيز أول مبعوثين على القضايا العسكرية والعلاقات مع المعارضة وعمليات أستانا وجنيف وسوتشي. في حين يرتبط تعيين إيفيموف كمبعوث خاص في دمشق بمسعى إعادة الإعمار.
في غضون ذلك، حدث مأزق مع تصاعد شائعات في روسيا بأن موسكو تبحث عن بديل لبشار الأسد داخل النظام. مما أدى إلى إطلاق نظام أسد حملة رقابة مالية طالت المقربين منه مثل رامي مخلوف.مع انتخابات برلمان أسد في تموز وتشكيل حكومة جديدة في آب المنصرم، أعطت دمشق انطباعاً لموسكو بأنها يمكن أن تكون شريكاً وظيفياً. صدم بوتين مرة أخرى أولئك الذين كانوا يسعون إلى تقاعد بشار الأسد. ومع ذلك، لم تكن هذه التحركات تستهدف شخصاً بعينه، بل تتعلق بالحفاظ على استمرارية حليف روسي.
لكي تتمكن روسيا من تحقيق مصالحها الاقتصادية، يجب أن تنجح محادثات جنيف. زار الممثل الخاص للأمم المتحدة موسكو بعد الجولة الثالثة للإبلاغ عن تباطؤ وفد نظام أسد. وكان الانطباع العام أن روسيا منزعجة من هذا الموقف الذي يؤخر المفاوضات. يسعى نظام أسد إلى تأجيل كتابة الدستور قدر الإمكان لإجراء انتخابات رئاسية عام 2021 دون دستور جديد.
كما أن تكتيك نظام أسد في الموازنة بين الحليفين يجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة لموسكو. فمع تحديد مستقبل سوريا، من المرجح أن ينشب صراع على السلطة بين إيران وروسيا.
باختصار أدى قانون قيصر إلى انهيار اقتصادي وإلى زيادة خطر خسارة روسيا لمكاسبها العسكرية. كما بات نظام أسد يعاني من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية مثل القمح والطاقة والنفط التي لم تشكل تحدياً حقيقياً له حتى في ذروة الحرب.
تواجه الاستراتيجية الروسية تحدياً يتمثل في انتشار الولايات المتحدة في حقول النفط في دير الزور والحسكة، وفقدان إمدادات القمح من شرق الفرات والعقوبات الاقتصادية الشديدة المفروضة.
نقلا عن اورينت نت