كثيرا ما يكتب التاريخ للعوام وغير المتخصصين عن طريق الدراما وكثيرا ما تخرج تلك الدراما مسخا مشوها فلا قيمة تهذب الناس أو تقودهم لخير ولا تاريخ صحيح مدون ومأمون .
والدراما اليوم ومن وقت ما ظهرت بيننا مؤثرة أياما تأثير فالناس مجبولة على حب القصص . وكان التيار الإسلامي وصف المتدينين عموما قد إبتعدوا عن مشاهدة الدراما والأفلام حينا من الدرهر وحق لهم أن يفعلوا فقد كانت هذه الأفلام والمسلسلات وما زالت تحمل معها وفيها تفسخا وانحلالا ما الله به عليم من حيث المضمون ناهيك عن المخالفات الشرعية التي لا تعد ولا تحصى من حيث الأداء
غيبة في غير محلها !!
لكن غيبة التيار الإسلامي غيبته تماما عن إحداثه فنا مقابلا ذو جودة تجعله قريبا من المنافسة أو حتى يعلوا بالقيمة والجودة على هذا السفول ، وبعضهم حاول جعل اهل الفن يتدينوا فيحدثوا تغييرا أو إنصرافا عن هذا الوسط ولكن هذا المشروع من المشاريع طويلة الأمد كان واجب أن يكون بجوارها مشاريع قصيرة ومتوسطة الأمد كذلك لكنهم لم يفعلوا إضافة إلى أن المطلوب ليس فرار الفنانين من وسط الفن بل تغيير العفن الذي أصابه وإعلاء كلمة الله أمام في الأداء والمضمون .
أضف الى ذلك الحروب الطويلة حول جواز التمثيل نفسه بين فريقين رئيسيين ففريق يراه _ أي التمثيل المجرد _ ضلالا مبينا وفريقا يراه حلال لا بأس فيه ولو أضفت إليه إختلافهم حول حكم التصوير لربما فهمت كيف تعقد المشهد .
وتحت رهاب الجماهير صمت كثيرا ذلك الفريق الذي يؤمن بقضية الفن الهادف لخشية من نفور جماهيرهم منهم تحت وطأة ضغط الفريق المقابل بأنهم _ أى الفريق المجيز _ متفسخون منحلون أباحوا الموسيقى والتصوير والغناء وكشف وجه المرأة وها هم اليوم يجيزون التمثل إن هذا لفسق عظيم !!
كانت كل هذه المعارك تدور رحاها فى ظل تحرك الفريق الأخر وإنتشاره بإنتاج أفلام ومسلسلات تشوه وتغير فى بنية الناس والأمة بقصد أو بغير قصد فالموضوع على طاولتهم دوما كان الربح والربح وحده وليس الربح مع القيمة
ملل الجماهير ؟!
طبع الناس عموما ومنهم مشاهدي الدراما الملل من قلة التنوع وهذا ما أفقد الدراما المصرية مكانتها القديمة كمؤثر ومسيطر على سوق الدراما العربية فقد باتت مللولة مكررة المواضيع والنجوم الذين كان الواحد منهم بن خمسين عاما ويلعب دور شابا فى الجامعة تلميعا له وإرضاء لقيمته فى السوق الفني وراحت مواضيع الحارة المصرية والشعب وحل مكانها مواضيع تغريبية أكثر بتقديم المنوذج الغربي في بلادنا وتمجيده وغلب على ما يقدموه الجنس والإباحية بشكل فج مستقبح .
باب الحارة يفتح الطريق ؟!
جاء مسلسل باب الحارة بإنطباع كان ينقص الناس ويريدوا رؤيته آلا وهو الحارة واللمة ومقاومة التغريب والعدو مع نكهة اللغة الشامية ففتحت البيوت أبوابها لباب الحارة السوري لسنوات
ولحب التنوع الذي يرَاهن عليه ظهرت ونافست الدراما التركية وصار لها إسما وقدما فى البيوت العربية بقوة فظهرت كثير من المسلسلات التركية كان منها وادي الذئاب و العشق الممنوع وحريم السلطان وهو الإسم المحرف عربيا إذ أن إسم المسلسل فى لغته الأصلية هو ” القرن العظيم ” وهو يحكي عن سيرة سلطان عظيم لا يخص الأتراك وحدهم بل يخص المسلمين وتاريخهم كذلك آلا وهو السلطان سليمان القانوني لكن المسلسل شوه هذا الرجل كثيرا وفقا لخبراء والذي يرى البعض أن أرطغرل أتي لينافسه ويقضى على آثاره بين فريق الناس الواسع الذين لا هم علمانيين ولا هم من أنصار التيار الإسلامي .
وكان أثناء هذا الحراك قد بدأ حراك فى اتجاه مخالف يمكن أن يحسب على التيار الإسلامي في منافسة الدراما النوعية وهى الدراما التاريخية فأنتجت مسلسلات مثل خالد بن الوليد الجزء الثاني والحسن والحسين وعمر والتي دخل في الأول والثاني منها منتجا ومنشدا المنشد محمد الحسيان بشركته المها للإنتاج التليفزيوني والسينمائي والمشاركة فى مسلسل عمر كانت فى مراجعة السيناريو من قبل علماء ينتسبون لهذا التيار
مهدت هذه المسلسلات على قلتها لقبول جزء أو شريحة من التيار الإسلامي لا يمكنني حصرها إذ لا أملك تلك الأدوات للحصر هذا النوع من الدراما المحترمة بدرجة كبيرة من حيث قياسها على المعايير الشرعية والتي لا تخلوا من مخالفات شرعية لكنها مفيدة ونافعة خصوصا لمشاهدي الدراما ومحبيها
ودخل على خط الدراما كذلك تليفزيون الأقصى المحسوب على حركة المقاومة الإسلامية حماس فطرحت الفدائي بجزئيه وأحمد ياسين و أخيرا بواية السماء وهى المسلسلات التي كان لها دورا كبير فى حراك الضفة الأخير أو ما يسمى بإنتفاضة السكاكين هناك .
ظل الأمر على هذا التحرك الخجل والذي يحاول الصعود والمنافسة لكنه يقف أمام نيران كثيرة واحجيات يجب عليه تفكيكها ومعرفة طريقه فيها بوضوح كي يستطيع النجاح والتأثير دون إخلال بثوابت الشرع التي يؤمن بقدسيتها ونحن كذلك .
و على التيار الإسلامي وشباب الصحوة التفريق بين الممكن والمأمول بين الواثع والمفروض فالناس اليوم تشاهد المسلسلات بالفعل وبنسب كبيرة رفضنا أم وافقنا ، فدفع مسلسلات مثل أرطغرل وعاصمة عبد الحميد وغيرها من المسلسلات التي تحمل قيما ولو إختلفنا في تفاصيل طريقة العرض أفضل من ترك الناس على وجهة واحدة أو على أمرا واحد يتلاعب بهم فنكون على الأقل حققنا توازنا أو رمينا حجرا فى الماء الراكد .
وأن بناء مؤسسات سينمائية اليوم والمشاركة فى تحريك الدراما والتأثير فيها بات ملحا كبناء المساجد ودور الأيتام وأن قاعدة خير الخيرين وشر الشرين ليست فى باب واحد من الفقه أو الشريعة بل هي فى عامة حياتنا وأحكامنا وأنه وجب اليوم الدفع بشاب مؤهل للعمل والقيادة فى هكذا مجالات بحرفة وفن وليس بالبركة الغير مباركة المعهودة فى هكذا مجالات بل وحتى فى المجالات التي يتحرك فيها التيار الإسلامي منذ عقود كالسياسة ، مع المشاركة فى كل عمل نراه نافعا أو مؤثرا بدرجة نرتضيها ولو كانت مشاركتنا فيه من وراء حجاب ، فالدراما والسينما مؤثرة حينما تمارس بحرفية تشهد بهذا الوقائع والحوادث فالأمر ليس مصلحة متوهمة أو غير مدروسة .
ظل الأمر هكذا حتى جاء مسلسل غير نسبة وطريقة مشاهدة التيار الإسلامي للدراما حتى إنني أعرف بعضا من إخواننا السلفيين يشاهد ويروج لمشاهدة هذا المسلسل !!
قيامة أرطغرل
كان هذا المسلسل هو مسلسل قيامة أرطغرل الجزء الثالث وبعيد عن التقييم التاريخي للمسلسل فلست أهلا لهذا التقييم وبعض المختصين تحدثوا بشأنه فهم أولى أن يرجع إليهم إلا أن المسلسل قدم قيما تاريخية جديدة بعيدة عن النصر السريع والتشويه الدرامي الذي كان يقدم من قبل فى هكذا مسلسلات .
فقدم التوكل على الله مع الإستعداد وأخذ الأسباب وقدم أن العدو ليس بغافل ولا أحمق بل يخطط ويضرب كما نحن نخطط ونضرب وان النصر لن يكون لنا على الدوام فى كل المعارك ولكنا علينا السعي الدائم والويقظة ، وان العدو لم يتخلى عن عقيدته في حربنا فلابد لنا أن نتمسك بعقيدتنا وهويتنا
كذا المسلسل أحيا فريضة الجهاد وأن الإسلام ليس طقوسا صوفية أو مكتبتة سلفية أو دعوة تبليغية فقط كما يريده العض أن يكون ، بل هو مصحف وسيف دين ودولة كذلك .
كذا أظهر المسلسل خطورة خيانات الداخل وأن صعود الخونة فى بلادنا أشد علينا من سيوف الأعداء ، والناظر حولنا يجد هذا واضحا لا يحتاج إلى براهين كثيرة
وأن ترتيب البيت الداخلي مهم جدا لا يقل عن حروب عدو الخارج ومنه قتال خونة الداخل وهزيمتهم ونحن نرى أن من يمنعون تحرير القدس اليوم ليسوا الصهاية وألأمريكان وحدهم بل إن أول عصا تحاول بل وتجتهد وتنفق المليارات من أجل كسر أيادي المقاومة هى عصا تشهد فى الظاهر أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله عربية اللسان والتاريخ .
كذا أظهر المسلسل طبيعة القائد ودوره فى الأمة بعيد عن كروش الظلمة وتجليات الملهمين الجهلة فاظهر المشورة لا التحكم وان القائد فى أول الصفوف لا خلفها وهو درس للحكام والمعارضين على حد سواء .
اظهر مدى احترامهم لرسول الله وأصحابه والدين والشريعة ومدى احترامهم للعالِم الشرعي وقيمتة فيهم والذي تمثل فى شخصية الشيخ ” محي الدين بن عربي ” بعيدا عن صحة إثبات لقاء أرطغرل به تاريخيا من عدمها أو تقييم شخصية ” بن عربي ” شرعيا تلك الشخصية التي تحتاج إلى دراسة وليس إلى ردة فعل حولها ، دراسة حقيقية بيعدا عن التشويه أو التمجيد شانه كشأن شخصيات كثيرة في تاريخنا القديم والمعاصر تحتاج إلى نظرة محايدة منصفة بعيدا عن شطحات المحبين أو صلف الخصوم كشخصية الشيخ محمد بن عبد الوهاب مثلا .
لم يكن قيامة أرطغرل عزفا نشازا بل كان عزفا ضمن سيمفونية جديدة موجهة خصوصا للداخل التركي وللعالم المتابع لهذه الدراما من بعد كرسائل ، فالدراما قوة ناعمة لا يستهان بها لو أحسن توجيهها وإستغلالها .
والناظر إلى تحالف حكومات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني مع هوليود يعرف ما أقصده وكذا الناظر إلى إنفاق مخابرات دول عربية على الدراما يدرك هذا مع الفارق أن ما تقدمه هوليود هو فناً حقيقيا مؤثرا ويجني نتائج بعيدا عن التقييم الشرعي أو الأدبي لما تقدمه هوليوود ، وبين ما تقدمه شركات المخابرات العربية التي هى أقرب إلى طريقة ” كايده العزال أنا من يومي ” منها إلى الفن وأدواته الحقيقية ولو قيمنا تأثير هوليوود وشركات المخابرات العربية لكانت أشبه برجل بال بين نهرين وقال هذا نهر ثالث .
وكما قلت فلم يكن مسلسل أرطغرل عزفا نشازا بل ضمن سيمفونية موجة للداخل التركي وإلى كل من تصلهم هذه الدراما ، وكان فى هذه المعزوفة السيمفونية التركية مسلسلات أخرى مثل (( عاصمة عبد الحميد _ والمجهولون )) وغيرها والتي تصب فى نفس الطريق وخصوصا مسلسل عاصمة عبد الحميد الذي صحح كثيرا من التشيوه الذي حصل للسلطان ” عبد الحميد الثاني ” بعيدا عن تقييم الشخصية تاريخيا .
إضافة إلى ذات الرسائل التي يحملها أرطغرل فى تشابك يظهر أن الحملات الصليبية على العالم الإسلامي لم تنتهى ولكنها فقط تبدل ملابسها وأسمائها وكذا حمل عاصمة عبد الحميد كيف كانت خيانة الداخل مؤثرة ومجرمة إلى حد بعيد .
كذا أظهر أنه ليس للعدو وجه واحد ولا طريقة واحدة للقتال فطرقه منوعة بين أقتصاد وحرب وإعلام وسياسة وتوسيع شبكة الخونة فى الداخل وسعيهم الحثيث كي يصعودا خونتهم إلى سدة الحكم
كما أظهر هو وأرطغرل أنه من الواجب على القائد أو القيادة أن تدرس العدو جيدا فى كل مجال وتعرف متى وكيف وأين تضغط عليه وتحصل على ما تريد أو تكون المفاوضات متساوية الطرف وليست كما كان يعبر أحدهم في كل عثرة (( عشان خاطر كارتر )) لكي يتنازل فريق مفاوضيه عن هذه النقطة من أجل عيون الرئيس الأمريكي الذي كان فى الحقيقة حليف للصهاينة وليس العكس
تساؤلات مشروعة ؟
الغريب أن أيا من هذه المسلسلات ( قيامة أرطغرل _ عاصمة عبد الحميد ) لم تعرض على أيا من أساطين الفضائيات المعروفة ببثها الدراما العربية منها والمدبلجة فهل يكون المانع من العرض هى الرسائل التي تحملها هكذا مسلسلات رغم شهرة أرطغرل جدا وتحقيقة نسب مشاهدة عالية جدا على الإنترنت تغرى صغار الفضائيات المختصة بالدراما وغير المتخصصة بعرضه ناهيك عن كبارها تمويلا وتاريخا فى نشر الدراما .
فأرطغرل لم يعرض إلا على قناتي (( فور شباب واليرموك )) وهما قناتين محسوبتين على التيار الإسلامي وليس عالم الدراما ، وكذا كان تليفزيون قطر هو التليفزيون الدرامي الوحيد الذي يعرض قيامة أرطغرل !!
فهل كما قال أخونا ” إبراهيم إسماعيل ” أنه حتى فى المسلسلات قطر تعرض أحمد بن حنبل و أرطغرل و حلف إيفانكا يعرض غرابيب سود والعشق الممنوع ؟!!
أم أنها محض صدفة أن يترك هذا المسلسل ذو الشعبية العريضة فى العالم العربي بهذه السهولة بغير قصد ولا نية مسبقة ؟!
ولماذا تهافتت تلك القنوات من قبل على بث وعرض “حريم السلطان” ولم يظهروا ذات التهافت على قياة أرطغرل الذي أدخل شريحة ما كانت أبدا لتدخل عالم مشاهدة الدراما لولا أرطغرل ؟!
لعل المانع خير .