ليس مهماً معرفة الأسباب التي أعلنت أنقرة أنها وراء العملية العسكرية في شمالي سورية، إن كانت لإنقاذ ضريح سليمان شاه جد السلالة العثمانية ورفاته، أم لإنقاذ 39 جنديا تركيا محاصرين منذ ثمانية أشهر من تنظيم داعش.
المهم الطريقة التي نفذت بها العملية وتوقيتها، ثم أبعاد هذا التدخل العسكري التركي، الأول من نوعه منذ تفجر الأزمة السورية، وانعكاساته المستقبلية على الوضع الميداني، خصوصا أن العملية ترافقت مع عدة معطيات مهمة:
ـ يطرح توقيت العملية العسكرية أسئلة كثيرة، في ظل غياب حاجة ملحة لها، إذ لم تقترب داعش إطلاقا ناحية الضريح، ولم تهدد الجنود الأتراك المحاصرين، وذلك ربما لأن تركيا لم تشارك في التحالف الدولي ضد داعش، أو ربما لتفاهمات تمت بين الطرفين منذ أشهر. بكل الأحوال، لا تعني هذه العملية سوى تحرير تركيا من عبء كان على كاهلها، حيث لا يمكنها ترك الوضع على ما هو عليه، وتخاطر، بالتالي، في ضوء المتغيرات الميدانية السريعة باحتمال شن داعش هجوماً على الضريح. وهنا، تجد أنقرة نفسها مضطرة لخوض عملية عسكرية واسعة ضد التنظيم، لا يريدها الطرفان، وهذا ما يفسر عدم تعرض القوات التركية لنيران من التنظيم.
ـ جاءت العملية بعد أيام من توقيع أنقرة وواشنطن اتفاقية لتدريب قوات المعارضة المعتدلة، وأيام من الاجتماع الذي عقد في جدة، بمشاركة مسؤولين عسكريين وأمنيين كبار في الدول المشاركة بالتحالف المضاد لداعش، وبحضور تركي على مستوى رئاسة الأركان، الأمر الذي يؤشر إلى أهمية تركيا ودورها في تغيير المعادلات على الأرض، بحكم موقعها الجغرافي، وربما يتعلق هذا الحضور بتقديم التحالف تنازلات لتركيا، قد نرى نتائجها في المرحلة المقبلة شمالي سورية.
ـ لم تنقل السلطات التركية رفات سليمان شاه إلى أراضيها، بل إلى شمالي قرية آشمة الخاضعة للمقاتلين الأكراد داخل الأراضي السورية، بالقرب من الحدود التركية، حيث رفع العلم التركي على الموقع الجديد، في إشارة إلى أن مكان رفات سليمان شاه تحول إلى أرض تركية، على غرار الأرض التي كان عليها الضريح بحسب اتفاقية 1921 مع فرنسا في أثناء الانتداب الفرنسي على سورية.
لماذا لم تنقل السلطات التركية الرفات إلى أراضيها؟ هل يتعلق الأمر بحفاظ أنقرة على تركية الأرض التي يوجد فيها الضريح؟ أم إنها تسعى إلى إيجاد مبرر مستقبلي لإنشاء منطقة آمنة، بحجة حمايته، خصوصا أن الضريح وضع على مقربة جداً من الحدود التركية، بعكس الموقع الأصلي الذي يبعد نحو أربعين كيلومترا.
ـ العملية تمت بالتنسيق مع القوات الكردية في محيط المنطقة، أو بعلم من هذه القوات التي أفسحت المجال واسعا للقوات التركية، وفي هذا دلالة كبيرة، لا سيما بعد التقارب الذي حصل بين الجانبين في أثناء تحرير عين العرب ـ كوباني من سيطرة داعش، وربما قد يترجم هذا التقارب، مستقبلاً، بتفاهمات جانبية، يكون رأسها الثالث الجيش الحر الذي كان أيضا على علم وتنسيق مع السلطات التركية في أثناء العملية العسكرية.
ـ حجم العملية، إذ تمت بمشاركة 600 عسكري، و60 مدرعة، ونحو 40 دبابة، وطائرات بدون طيار، وطائرات استطلاع، وهذا عتاد كبير لعملية من هذا النوع، ويبدو أن صناع القرار في أنقرة يوجهون رسائل عدة، لا سيما للحليف الأميركي و”الناتو” بأن تركيا قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية كبيرة في سورية، بالاتفاق مع الحلفاء، وربما تصريحات وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، في محادثاته مع مسؤولين عسكريين أميركيين في عريفجان في الكويت، بوجود حاجة لتعزيز الاستفادة من الإسهامات الفردية لكل عضو في التحالف، في إشارة إلى تركيا، على الرغم من أنها لم توقع على البيان الختامي لاجتماع جدة في العاشر من سبتمبر/أيلول من العام الماضي الذي أعلن فيه تشكيل نواة التحالف الدولي.
حسين عبد العزيز- العربي الجديد