كثفت المقاتلات الحربية الروسية من طلعاتها الجوية فوق مناطق حلب المحررة، ريف ومدينة، منذ مطلع حزيران الحالي، وأدخلت منظومة أسلحة فتاكة جديدة إلى قائمة الأسلحة المستخدمة ضد الشعب السوري، لعلها الأكثر تطوراً وضرراً في آن معاً، لتحقق جملة من الأهداف العسكرية والسياسية لصالح نظام الأسد.
وقد وثق موقع أورينت نت بشكل تقريبي عدد الغارات الجوية الروسية، والتي استخدمت فيها القنابل الحرارية والفوسفور الحارق، منذ مطلع الشهر الحالي، والتي تجاوزت 300 غارة جوية، استهدف القسم الأكبر منها بلدة كفر حمرة ومنطقة أسيا في الضواحي الشمالية لحلب قرب طريق الكاستيللو، يليها في عدد الغارات المدن والبلدات المحيطة بكفر حمرة، وهي عندان وحريتان وحيان، كما طال القصف بالأسلحة المحرمة دولية بوتيرة أقل خطوط الجبهات في الملاح وحندرات وتل صيبين وطريق الكاستيلو .
الأسلحة الإشعاعية والفوسفورية
المتحدث الرسمي باسم حركة نور الدين الزنكي، النقيب عبدالسلام عبدالرزاق، أكد ل”أورينت نت ” بأن الغارات الروسية بالأسلحة الإشعاعية والفوسفورية والحرارية استمرت قرابة الشهر، وفي بدايات استخدامها لم تكن معروفة لدى المعارضة بشكل واضح، إلى أن شهدت المناطق الشمالية كثافة غير مسبوقة لعدد الغارات والقنابل الحرارية المستخدمة، والتي تسببت بحرائق ضخمة واصابات بليغة في صفوف المدنيين .
وأوضح النقيب عبدالسلام بأن المقاتلات الحربية الروسية قصفت بالأسلحة المحرمة دولياً ” القنابل الفوسفورية والقنابل الحرارية والاشعاعية ” معظم مناطق حلب المحررة والضواحي القريبة، وطال القصف جبهات ريف حلب الجنوبي، واستهدفت كتائب جيش الفتح أكثر من مرة بهذه الأسلحة على أطراف الحاضر وبالقرب من خان طومان، لمنع تقدمها .
ولكنها تركزت بشكل رئيسي على محاور تقليدية، وفق النقيب عبدالسلام، في الشمال القريب من الكاستيللو، في كفر حمرة ومحيطها، لتحقق بذلك عدة أهداف، أبرزها تفريغ المنطقة من المدنيين، ونشر الرعب في نفوس المتمسكين بأرضهم من سكان المنطقة، بعد أن أصبحت الصواريخ والقنابل التقليدية لا تخيفهم ولا تحقق الغرض المطلوب .
وبحسب النقيب عبدالسلام، الغارات الروسية بالأسلحة المحرمة دولياً تركزت بشكل رئيسي على مناطق مأهولة بالسكان، متقصدة إيقاع أكبر أذى ممكن في صفوفهم ودفعهم لمغادرة المنطقة، لكنها لم تنجح برغم الحالة النفسية التي تسببت بها لكثيرين بدو قلقين ومتخوفين من نتائج هذه الأسلحة الخبيثة والتي من الممكن أن تتسبب بأمراض مزمنة ووراثية هذا إذا لم تظهر نتائجها في الوقت الحاضر، وأشار النقيب عبدالسلام إلى أن الروس يعتبرون حلب حقل تجارب لأسلحتهم، وهم يجرون كل شيء على رؤوس المدنيين من الشعب السوري، ولم يعد هناك إلا قنابل نووية لم يعرفها السوريون بعد ولم يشهدوا قصف مثيل لها .
وهذا التمهيد بطبيعة الحال من أجل معركة حلب الكبرى كما يروج لها إعلام نظام الأسد منذ فترة، والتي تهدف بشكل رئيسي إلى تطويق الأحياء المحررة في المدينة، وقطعها الضواحي الشمالية والغربية، ومن المفروض أن تبدأ في وقت سابق إلا أنها أجلت أكثر من مرة وفقاً للظرف الميداني الصعب الذي يعيشه النظام وحشد المليشيات الشيعية والحرس الثوري الإيراني في جبهات ريف حلب الجنوبي .
أهداف الحملة الروسية
قائد غرفة عمليات الراشدين، النقيب أمين ملحيس، يعتبر الحواضن الشعبية والمدن والبلدات الأهلة بالسكان والتي تحيط بجبهات القتال ضد القوى المعادية، تنظيمات ومليشيات طائفية، لها الدور البارز في رفع معنويات مقاتلي الجيش السوري الحر، ودوام يقظته وغيرته على المكاسب الجغرافية للثورة .
وأشار النقيب أمين، خلال حديثه لـ” أورينت نت ” إلى أن جزء كبير من أهداف الحملة الجوية الروسية ينصب في هذا الإطار، أي تفريغ المناطق من الحواضن الشعبية للجيش الحر وقوى المعارضة بشكل عام، وبالتحديد في مناطق الطوق القريبة من المدينة، وترك مقاتلي المعارضة وحدهم في الميدان ليسهل عليه فيما بعد السيطرة الكامل على المناطق المستهدفة وتقطيع أوصال المناطق المحررة بشكل عام في حلب .
وأوضح النقيب أمين، أن الحملة الجوية الروسية، وعنفها المتصاعد واستخدامها لأسلحة غير تقليدية، ومحرمة دولياً، لن يثني المعارضة الحلبية، ولا حتى حواضنها، وهذا ما رأيناه على مدى الأيام الماضية، فبرغم الأهوال المحدقة بعشرات الألاف من المدنيين إلا أنهم ما يزالون متمسكين بأرضهم ومنازلهم، ووضع المعارضة جيد برغم التحديات الحالية والمتوقعة في المستقبل القريب إذا ما بدأ النظام وحشد مليشياته فعلا معركته .
وتمكنت المعارضة في غرفة عمليات فتح حلب من استعادة كامل مواقعها التي خسرتها في حي الخالدية والليرمون وجمعية الزهراء، فجر السبت، وقتلت أكثر من أربعين من عناصر النظام والمليشيات الموالية، ودمرت عدداً من السيارات المحملة برشاشات ثقيلة ومتوسطة .
وكانت قوات النظام والمليشيات الموالية قد بدأت معركتها بعد منتصف الليل، وأشعلت أكثر من عشر جبهات في وقت واحد، الراشدين وجمعية الزهراء، والملاح، والخالدية، وبني زيد، والليرمون، والأِشرفية، وكان محوري جمعية الزهراء والخالدية محورين أساسيين بينما كانت مهمة المحاور الأخرى التمويه وتشتيت قوات المعارضة .
ونجحت قوات النظام والمليشيات الموالية خلال الساعات الأولى من بدء الهجوم بالتقدم في جبهة الخالدية وجمعية الزهراء، بعد أن مهدت بقصف عنيف وغير مسبوق بالمدفعية والصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وصواريخ ” فيل ” واسعة التدمير، وبالهاون، الدفاعات الأولى للمعارضة وكامل المناطق المستهدفة في العملية العسكرية .
إحراق المناطق المحررة
واستفادت قوات النظام والمليشيات من الدعم الجوي الروسي بشكل كبير في تقدمها، والذي شن أكثر من 150 غارة جوية، بالقنابل الحرارية، والفوسفور، والصواريخ الفراغية، والقنابل العنقودية، و طال القصف المواقع المستهدفة في العملية البرية، أحياء بني زيد، وجمعية الزهراء، والليرمون، والخالدية، وشهدت الخطوط الخلفية للمعارضة وطرق امدادها قصف مماثل .
كما شهدت مدن وبلدات، حريتان، كفر حمرة، عندان، بياون، حيان، ومناطق الملاح وحندرات وتل صيبين قصف روسي مكثف بالتزامن مع المعارك في أحياء شمال غرب حلب، ونالت بلدة كفر حمرة القريبة من جبهات القتال، النصيب الأكبر من القصف بعشرين غارة جوية، معظمها بقنابل الفوسفور الحارق والقنابل الحرارية والتي تسببت باشتعال النيران في كتل سكنية واسعة، ما أدى لإصابات عديدة في صفوف المدنيين .
وبعد أن استقدمت المعارضة من مختلف الفصائل في فتح حلب تعزيزات إضافية إلى أرض المعركة، تمكنت من قلب المعادلة وثبتت نقاطها من جديد، لتشن هجوماً معاكسا نحو المواقع التي خسرتها وتحصنت فيها المليشيات، ونجحت فعلاً باستعادة المبادرة في الميدان بعد أن نصبت كمائن محكمة للقوات المعادية وخاض مقاتلوها حرب شوارع ضد المليشيات بين الكتل السكنية المهجورة في الخالدية والجمعية.
المتحدث باسم حركة نور الدين الزنكي، النقيب عبدالسلام عبدالرزاق، أكد ل” أورينت نت ” بأن قوات النظام والمليشيات حاولوا التقدم في أكثر من محور في الأحياء الشمالية الغربية من حلب، بعد أن فشلت كل محاولاتهم بالتقدم جهة الملاح وحندرات شمال شرق الكاستيلو، وكلا الجبهتين يهدف من خلالهما النظام إلى قطع الطريق وتطويق الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة عن الريف .
وأوضح النقيب عبدالسلام، أن خطط النظام والمليشيات كانت فاشلة، ولم تحقق الغرض المطلوب، حيث عولت كثيراً على سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها الطيران الروسي أمام تقدمها، والقصف المتواصل بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة المدفعية والصاروخية لخطوط المعارضة الأولى ودفاعاتها.
وأشار النقيب عبدالسلام إلى أن قوات النظام والمليشيات الموالية على تنوعها لن تستطيع التقدم في الميدان ولو أنها دمرت المناطق المستهدفة بشكل كامل، والمعارضة صمدت أمام أعتى الأسلحة الروسية التي انهالت بشكل متواصل على مناطق سيطرتها في حلب والضواحي على مدى ستين يوماً ماضية ولن تتنازل بسهولة أمام أي نوع من الهجمات البرية.
المعارضة واثقة من قدراتها برغم المصاعب التي تعترضها، ولديها المزيد من الأوراق لتلعبها وبرغم الثقة المرتفعة التي تبديها المعارضة الحلبية إزاء تطورات الميدان وقدرتها على التحدي، إلا أنها لا يمكن أن تخفي استنزافها المستمر خلال المعارك والاشتباكات المستمرة في محيط الكاستيللو وجبهات الدفاع عنه جهة الشمال الشرقي في الملاح ومحيطها، فهي تخسر يومياً عدد كبيراً من مقاتليها على خلفية عمليات الصد المستمرة لمحاولات التقدم من قبل النظام والمليشيات .
ضغط جوي
وكذلك هي تتعرض لضغط جوي كبير، وتكاد المقاتلات الحربية والاستطلاع الروسية لا تفارق الأجواء الحلبية، ريف ومدينة، على مدى الأربع والعشرين ساعة، تستهدف كل متحرك بالقرب من خطوط القتال، والمدن والبلدات الأهلة بالسكان لتوقع أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، أي أهالي العسكر المقاتل في صف المعارضة بطبيعة الحال .
وفي الطرف المقابل لا يبدو النظام واثقاً من قدرته وقدرة المليشيات الموالية له، والمتنازعة فيما بينها، كما أن أداء مقاتليه على الأرض لا يوحي بنجاح قريب لعملياته العسكرية والتي يأمل تنفيذها على أطراف المدينة، وصرح بها وبأهدافها أكثر من مرة، فهو مستنزف أيضاً، وتتكبد مليشياته خسائر كبيرة في كل محاولة فاشلة، وتحوز في الوقت نفسه جبهات ريف حلب الجنوبي معظم جهده العسكري والتعبوي.
إذا هي محاولة يائسة يتمنى النظام أن تتحقق وفرصة ذهبية مدعومة روسياً لا يمكن تكرارها، بالتحديد بعد أن طال انتظار المعركة التي أطلق عليها اسم ” معركة حلب الكبرى” بعد الإعلان عنها في وقت سابق، فهل بدأت المعركة فعلاً ؟
وهل حصن النظام وحشد المليشيات الشيعية جبهات الحاضر ومحيطها، والجبهات العليا في السابقية ومحيطها، في ريف حلب الجنوبي، ليمنع أي تقدم جديد قد يفكر فيه جيش الفتح، بينما يتفرغ بقواته وحشد المليشيات للمعركة الجديدة بدعم جوي روسي لا محدود، أم أن المعارضة في فتح حلب وجيش الفتح ستلعب ورقة الجنوب مجدداً وتشعل الجبهات هناك برغم صعوبتها في القوت الحاضر، لتحقق على الأقل تشتيت جهود النظام ووقف عملياته الرامية لتطويق حلب على أية حال إن كانت معركة النظام الأخطر في حلب بدأت أو لم تبدأ بعد، يمكن القول أن المعارضة الحلبية اليوم هي غير المعارضة التي انهارت أمام تقدم النظام مطلع العام الحالي وسمحت له بالوصول إلى بلدتي نبل والزهراء، فالمعارضة أمام خيارات محدودة، تقاوم أو تموت.
الاورينت