منذ الساعات الأولى التي أعقبت مقتل الجنرال قاسم سليماني في غارة جوية أمريكية قرب مطار بغداد، أعربت الصين عن قلقها البالغ إزاء تصاعد التوتر، ودعت جميع الأطراف إلى ضبط النفس لمنع التدهور في المنطقة. جاء ذلك على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قنغ شوانغ، الذي أكد معارضة الصين استخدام القوة في العلاقات الدولية.
وفي اليوم التالي أجرى وزير الخارجية الصينية وانغ يي، ثلاث مكالمات هاتفية مع نظرائه: الإيراني جواد ظريف، والروسي سيرغي لافروف، والفرنسي جان إيف لودريان، أكد خلالها على موقف الصين الداعي إلى الحوار، كما أبدى استعداد بلاده للعب دور بناء في الحفاظ على السلام والأمن في الخليج، مشيراً إلى أن السلوك الأمريكي ينتهك ميثاق الأمم المتحدة، ويفاقم حالة التوتر والاضطراب في المنطقة.
وحسب بيان للخارجية الصينية، فإن وانغ يي، ونظيره الروسي، أكدا اعتزام بكين وموسكو على اتخاذ خطوات مشتركة لإيجاد تسوية سلمية بعد مقتل سليماني. كما اتفق مع نظيره الفرنسي على محاولة تجنب أي تصعيد في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وشددا على أهمية الحفاظ على سيادة العراق واستقراره، وضمان ألا تنتهك إيران الاتفاق النووي.
مشروع جوادار مثالاً. هذا الممر الاقتصادي الذي يربط الصين بباكستان بتكلفة 60 مليار دولار، قد يكون عرضة للتهديد والفشل، في حال استخدمت طهران ورقة القاعدة للانتقام من واشنطن، حيث أن نجاح هذا المشروع مرتبط بمدى الاستقرار |
ما يبدو واضحاً وجلياً أن الصين تولي اهتماما كبيرا لمسألة الصراع الأمريكي الإيراني، وتعارض إساءة استخدام القوة في العلاقات الدولية، وترى أن أي مواجهة عسكرية، مغامرة غير مقبولة. وتبرر بكين موقفها هذا باعتبارها عضوا دائماً في مجلس الأمن، يقع على عاتقها تحمل مسؤوليات جمة، منها: الحفاظ على السلام والأمن العالميين.
غير أن مشاركة الصين الأسبوع الماضي، في مناورات عسكرية بحرية مشتركة مع روسيا وإيران في بحر عُمان، يشير إلى أن هناك دوافع أخرى، ومخاوف لها علاقة بمصالحها الاستراتيجية في المنطقة. وإن كان مسؤولون من الدول الثلاث قد أكدوا أن تلك التدريبات التي تمركزت حول مكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية، ليست موجهة ضد أي دولة أخرى، على الرغم من أنها جرت في وقت شهدت فيه منطقة الخليج توترا بالغا بين إيران من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى.
تدرك بكين جيداً أن أي مواجهة عسكرية مباشرة أو غير مباشرة بين طهران وواشنطن، سوف يترتب عليها عواقب وخيمة، تمس مصالحها الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية، ليس فقط في منطقة الخليج والشرق الأوسط، بل أيضاً في محيطها الإقليمي. وأكثر ما يثير مخاوف الصين، إمداداتها النفطية، فهي تستورد حوالي 10 ملايين برميل يومياً، وتتكفل إيران التي تعتبر ثالث أكبر مصدر للنفط الخام في منظمة أوبيك، بتصدير 8 في المائة من إجمالي وارداتها النفطية، بالإضافة إلى السعودية التي تعتبر ثاني أكبر مصدر للنفط إلى الصين بواقع 1.194 مليون برميل يوميا، ومن ثم العراق التي تحتل المركز الرابع في قائمة الدول الأكثر تصديراً للنفط إلى التنين الصيني.
ما تقدم يظهر أن الصين تستورد أكثر من 60 في المائة من احتياجاتها النفطية، من منطقة الخليج، وبالتالي فإن أي توتر في هذه المنطقة من شأنه أن يعيق هذه الإمدادت، ويؤثر سلباً على مسيرة التنمية في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. وهو الأمر الذي دعا الصين في نوفمبر الماضي، إلى عقد مؤتمر في العاصمة بكين، ناقش مسألة الأمن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في أعقاب استهداف منشآت نفطية سعودية.
أمر آخر يثير قلق بكين، تأمين الممرات الاقتصادية الخاصة بمبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، حيث تواجه هذه الممرات تحديات أمنية كبيرة بسبب مرورها في عدد كبير من الدول والأقاليم التي تشهد نزاعات وتوترات أمنية، وهي بطبيعة الحال مناطق تخضع لتأثير العلاقة بين إيران والولايات المتحدة، خصوصاً وأن نفوذ كلا البلدين يتجاوز حدودهما الجغرافية.
فلو تم استبعاد خيار المواجهة العسكرية المباشرة بين البلدين للرد على مقتل سليماني، وبالتالي لجوء إيران إلى وكلائها لتوجيه ضربات محددة، فإن ذلك أيضاً سوف يمس مصالح الصين على امتداد الدول الواقعة في نطاق مبادرة الحزام والطريق (70 دولة).
مشروع جوادار مثالاً. هذا الممر الاقتصادي الذي يربط الصين بباكستان بتكلفة 60 مليار دولار، قد يكون عرضة للتهديد والفشل، في حال استخدمت طهران ورقة القاعدة للانتقام من واشنطن، حيث أن نجاح هذا المشروع مرتبط بمدى الاستقرار في كل من إسلام آباد وكابل، وهو الأمر الذي يفسر مساعي وجهود الصين في إتمام المصالحة بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، تمهيداً لاتفاق سلام أوسع يشمل الإدارة الأمريكية.