باريس: يعود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت مطلع الأسبوع المقبل، كما وعد خلال زيارته الأخيرة بعد انفجار الرابع من آب/ أغسطس المروّع، في محاولة ضغط جديدة لتشكيل “حكومة بمهمة محددة” تخرج البلاد من أزمتها العميقة، لكن محاولته تبدو بالنسبة الى كثيرين عقيمة.
وتأتي هذه الزيارة، وهي الثانية إلى بيروت بعد الانفجار الذي وقع في بيروت في الرابع من آب/ أغسطس، بينما يبدأ الرئيس اللبناني ميشال عون، صباح الإثنين، استشارات مع الكتل النيابية لتكليف شخصية جديدة بتشكيل حكومة بعد ثلاثة أسابيع من استقالة حكومة حسان دياب تحت ضغط الشارع الذي حملها مسؤولية الانفجار بسبب الإهمال وفساد المؤسسات.
ودق ماكرون ناقوس الخطر، الجمعة، محذرا من “حرب أهلية” في لبنان “إذا تخلينا عنه”.
وقال من باريس “إذا تخلينا عن لبنان في المنطقة وإذا تركناه بطريقة ما في أيدي قوى إقليمية فاسدة، فستندلع حرب أهلية” وسيؤدي ذلك إلى “تقويض الهوية اللبنانية”.
وأشار إلى “القيود التي يفرضها النظام الطائفي” في لبنان والتي “إذا ما أضيفت – لكي نتحدث بتحفظ – إلى المصالح ذات الصلة”، أدت “إلى وضع يكاد لا يوجد فيه أي تجديد (سياسي) وحيث يكاد يكون هناك استحالة لإجراء إصلاحات”.
ويحفل جدول أعمال ماكرون بلقاءات سياسية وأخرى ذات طابع رمزي. وأعلنت الرئاسة الفرنسية أنه “لن يتخلى” عن المهمة التي أخذها على عاتقه لناحية دعم لبنان عقب الانفجار الذي تسبّب بمقتل أكثر من 180 شخصاً وألحق أضراراً جسيمة بعدد من أحياء العاصمة.
ولزيارة ماكرون، وفق الرئاسة، “هدف واضح وهو ممارسة الضغط حتى تتوفّر الشروط لتشكيل حكومة بمهمة محددة قادرة على الاضطلاع بإعادة الإعمار والإصلاح”، مع ضمان أن يلتزم المجتمع الدولي بدعم لبنان الذي نضبت موارده ويشهد أسوأ أزماته الاقتصادية.
وأكد ماكرون على هذه النقطة الجمعة مشددا على وجوب “تمرير قانون مكافحة الفساد وإصلاح العقود العامة وإصلاح قطاع الطاقة” والنظام المصرفي.
وحذر من أنه “إذا لم نفعل ذلك فإن الاقتصاد اللبناني سينهار”.
ويعقد الرئيس الفرنسي سلسلة اجتماعات يبدأها لدى وصوله مع السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه، على أن يجتمع على طاولة الغداء مع عون الثلاثاء، ويلتقي مساء ممثلي تسعة من القوى السياسية الرئيسية في لبنان.
وسبق لماكرون أن عقد لقاء مماثلاً في قصر الصنوبر، مقر السفير الفرنسي في بيروت، خلال زيارته الأولى في السادس من آب/ أغسطس دعا خلالها الأفرقاء السياسيين إلى إجراء “تغيير عميق” عبر “تحمّل مسؤوليّاتهم” و”إعادة تأسيس ميثاق جديد” مع الشعب لاستعادة ثقته.
وتقول الرئاسة الفرنسية إنها تحتفظ “بقدر جيد من الأمل” في إعطاء دفع للمحادثات، خصوصاً أن الزيارة ستتزامن مع استشارات تكليف رئيس حكومة جديد.
وكرّرت باريس، الخميس، دعوتها لبنان إلى الإسراع في تشكيل حكومة واعتماد إصلاحات “عاجلة”. وحذر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان من أن “الخطر اليوم هو اختفاء لبنان، لذلك يجب اتخاذ هذه الإجراءات”.
لا بوادر توافق
ولم تظهر حتى الآن أي بوادر توافق على اسم رئيس الوزراء المقبل جراء التباين في وجهات النظر بين القوى السياسية الرئيسية.
علما أن هذه القوى تبدو وقد سدّت أذنيها عن سماع صوت اللبنانيين الغاضبين المحبطين الذين يصرّون على محاسبة الطبقة السياسية كاملة ويرفضون عودة أي من رموزها الى السلطة.
وأعلن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري هذا الأسبوع أنه لا يعتزم العودة إلى السلطة، منتقداً “بعض القوى السياسية” التي قال إنها “ما زالت في حال من الإنكار الشديد لواقع لبنان واللبنانيين”.
وكان حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز، استبق مشاورات التكليف بإعلانه على لسان أمينه العام حسن نصرالله رفضه تشكيل أي حكومة “حيادية”، وهو المطلب الذي يرفعه بعض المحتجين والبطريرك الماروني بشارة الراعي الذي سيكون له لقاء مع ماكرون.
ودعا نصرالله الذي يشكل مع حلفائه أكثرية في البرلمان إلى “تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإن لم يكن ذلك ممكنا، حكومة ذات أوسع تمثيل ممكن من سياسيين واختصاصيين”.
ولم تكن آخر تجربة “حكومة وحدة وطنية” برئاسة الحريري ناجحة، إذ سقطت بعد نحو ثلاث سنوات من تشكيلها على وقع احتجاجات ضخمة في الشارع في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وكانت تضم ممثلين عن معظم الأحزاب السياسية وولدت بعد سنتين من فراغ في سدة رئاسة الجمهورية إثر تسوية هشّة شلّت المؤسسات وعطّلت القرارات.
وقال مصدر دبلوماسي في بيروت إن كارثة المرفأ “لم تغيّر في طريقة تعامل الأطراف السياسية مع موضوع تشكيل الحكومة وتكليف رئيس لها”.
وأوضح أن تكليف رئيس حكومة جديد “لا يعني أن تشكيل الحكومة سيتمّ بسهولة”، وهو ما تظهره العديد من التجارب السابقة، لافتاً إلى أنه “ما من التفات جدي للشارع” الذي يطالب بتغيير سياسي ويتهم الطبقة الحاكمة بالفساد والفشل في إدارة الأزمات.
وعقب انفجار المرفأ، توالت الدعوات الغربية لا سيما الفرنسية والأميركية، للإسراع في تشكيل حكومة تعكس “تغييراً حقيقياً”، إلا أن أوساط الرئاسة الفرنسية تؤكد أنه “لا يعود لنا تشكيل الحكومة”، نافية أن تكون مساعيها الجارية بمثابة “تدخل” في الشأن اللبناني.
فيروز
وبخلاف المألوف في الزيارات الرئاسية الرسمية، يستهل ماكرون زيارته التي تأتي في الذكرى المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، بلقاء فيروز (85 عاماً) التي تعتبر أيقونة الفن اللبناني وسفيرته الى العالم، ومن الرموز القليلة التي يلتفّ اللبنانيون حولها بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم. وسيحصل اللقاء في منزلها شرق بيروت.
وسيجول ماكرون مجدداً، الثلاثاء، في الأحياء المتضررة بهدف تقييم عمليات رفع الأنقاض وتوزيع المساعدات. وسيلتقي ممثلين عن منظمات غير حكومية وعن وكالات الأمم المتحدة، لكنه سيحرص على أن يحدّ من تواصله مع الناس في الشارع جراء تدابير الإغلاق العام لمكافحة وباء كوفيد-19.
وكان عشرات اللبنانيين لاقوه في الشارع خلال زيارته السابقة مناشدين إياه عدم تقديم المساعدات عبر مؤسسات الدولة التي لا يثقون بها.
وسيجتمع الرئيس الفرنسي بقرابة 400 جندي فرنسي وصلوا الى لبنان عقب الانفجار للمساعدة في إفراغ نحو ألف طن من المساعدات الطبية والغذائية والمتعلقة بإعادة الإعمار المرسلة من فرنسا.
وفي التحركات الرمزية، سيزور محمية أرز جاج شمال بيروت، حيث سيغرس مع عدد من الطلاب اللبنانيين شجرة أرز تأكيداً على عمق العلاقات الثنائية التاريخية بين فرنسا ولبنان.
وأعلن المندوب السامي للانتداب الفرنسي الجنرال هنري غورو في مطلع أيلول/ سبتمبر 1920 من قصر الصنوبر إنشاء دولة لبنان الكبير.
نقلا عن القدس العربي