دخلت تركيا منذ انتخابات الأحد في مرحلة معقدة تقوم على إطلاق يدي الرئيس رجب طيب أردوغان بشكل غير محدود في بناء نظام حكم متسلط يقوم على تغيير القوانين واستهداف الخصوم بالداخل، وافتعال المزيد من الأزمات في المحيط الإقليمي والدولي إرضاء لرغبة أردوغان في استعادة صورة السلطان العثماني.
وبعد فرز جميع الأصوات فعليا حصل أردوغان على 53 بالمئة من الأصوات مقابل 31 بالمئة لمحرم إينجه مرشح حزب الشعب الجمهوري، فيما حصل حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان على 42.5 بالمئة في الانتخابات البرلمانية وتلقى دفعة بحصول حلفائه القوميين، وبخلاف التوقعات، على 11 بالمئة.
ويتساءل مراقبون عن الإجراءات التي سيقدم عليها الرئيس التركي بعد نصره الانتخابي. لا سيما وهو يواجه المشكلات نفسها التي كانت قبل الانتخابات. كما أن فوزه بولاية رئاسية جديدة قسم تركيا أكثر من أي وقت سابق.
ولا يبدو أن الغرب سيقتنع بأن أردوغان هو الشخص المناسب لحكم تركيا بعد أن تزيد السلطات الكبيرة التي صارت بيده من الاستقطاب داخل تركيا نفسها.
وقال المحلل السياسي البريطاني سيمون جنكينز إن أوروبا تواجه اليوم عبر حدودها الشرقية اثنين من الحكام المستبدين الشعوبيين هما أردوغان التركي وفلاديمير بوتين الروسي.
ووصف جنكينز في مقال بصحيفة الغارديان البريطانية الرئيس التركي بالحاكم الاستبدادي الذي يسجن معارضيه ويحظر الصحافة المستقلة ويمنح نفسه صلاحيات غير محدودة للسيطرة على حكم البلاد، معتبرا أن أردوغان يمثل تهديدا لتركيا والعالم من دون أن ينكر شعبيته داخل تركيا.
ويعتقد مراقبون أن أردوغان يسعى لاستثمار نتائج الانتخابات في توسيع دائرة صراعاته داخليا وخارجيا، من ذلك مواصلة الحملة على أنصار الداعية فتح الله غولن، وسن قوانين زجرية ضد وسائل الإعلام والنشطاء الذين يرفضون أسلوبه في قيادة تركيا، وخاصة ما تعلق بالتضييق على الحريات الخاصة والعامة.
ويشير هؤلاء إلى أن الرئيس التركي يسعى لاستثمار الورقة القومية إلى أبعد مدى من خلال توسيع تدخله في سوريا والعراق وشن المزيد من الحملات العسكرية على الأكراد لإرضاء القوميين المتشددين والحصول على دعمهم بالبرلمان.
وحذر محرم إينجه، الحاصل على المرتبة الثانية خلف أردوغان، من أن النظام الذي سيطبق في تركيا اعتبارا من الآن خطير جدا ويقوم على حكم الفرد. وطالب أردوغان بأن يكون رئيسا لكل الأتراك في لغة تصالحية ردا على “غطرسة” أردوغان بقوله “تركيا أعطت العالم درسا في الديمقراطية”.
واعترف إينجه، وهو مرشح حزب الشعب الجمهوري، بالهزيمة، لكنه شدد على أن “هذه الانتخابات لم تكن نزيهة. لقد كانت ملوثة بالدماء”، وهو ما يدعم ما جاء في تقارير المراقبين الدوليين الذين تحدثوا عن أن الانتخابات لم تكن الفرص فيها متكافئة خاصة في ظل سيطرة الحكومة وحزب العدالة والتنمية على المؤسسات الإعلامية وفي ضوء قوانين متشددة ضد النقد في وسائل الإعلام الاجتماعي.
ويقول منتقدون إن الدعاية الانتخابية تمت في أجواء غير نزيهة مع هيمنة أردوغان على التغطية الإعلامية قبل التصويت وتخصيص وقت قليل لتغطية حملات خصومه.
وخاض صلاح الدين ديمرطاش أحد منافسي أردوغان ورئيس حزب الشعوب الديمقراطي، الانتخابات الرئاسية من السجن إذ أنه معتقل بتهم تتعلق بالإرهاب ينفي ارتكابها. ويواجه في حالة إدانته السجن 142 عاما.
وجرت الانتخابات في ظل حالة الطوارئ المعلنة منذ محاولة الانقلاب عام 2016 والتي قتل فيها 240 شخصا على الأقل واعتقل فيها الآلاف.
وأكد مراقبون أوروبيون أن التغطية الإعلامية وتدابير حالة الطوارئ صبت كلها في صالح أردوغان. ووفقا لنتائج بعثة المراقبة التابعة لـ”منظمة الأمن والتعاون في أوروبا” و”الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا” فإن “الرئيس الحالي والحزب الحاكم حصلا على مزايا غير مستحقة”.
وصرح إجناثيو سانشيز آمور، الذي تولى التنسيق بين مراقبي منظمة الأمن والتعاون، بأن “القيود التي رصدناها على الحريات الأساسية كان لها تأثير على هذه الانتخابات”.
وأشار على وجه التحديد إلى قيود على حرية التعبير، وحرية الإعلام، وحرية التجمّع. كما انتقد عدم السماح لاثنين من المراقبين بدخول تركيا.
للمزيد من التفاصيل: الخزانة التركية تقترب من العجز عن سداد الديون
وأعلنت المفوضية الأوروبية عن الأمل في “أن تظل تركيا تحت قيادة أردوغان شريكا ملتزما للاتحاد الأوروبي في قضايا رئيسية ذات اهتمام مشترك مثل الهجرة والأمن والاستقرار الإقليمي ومحاربة الإرهاب”.
وارتفعت وتيرة النقد الموجه لأجواء الانتخابات من جهات أوروبية غير رسمية بسبب التأثيرات المتوقعة لنتائج الأحد والتي قد تطلق يدي أردوغان لتوتير العلاقات مع أوروبا.
وقالت رئيسة المجموعة البرلمانية الألمانية-التركية في البرلمان الألماني، سيفيم داجديلين، إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا “ليست حرة ولا نزيهة”.
وأكدت داجديلين، عضو حزب اليسار الألماني المعارض والمنحدرة من أصول تركية كردية، أن “أردوغان وصل إلى هدفه المتمثل في نظام رئاسي سلطوي من خلال التلاعب الذي بدأ قبل وقت طويل من يوم الانتخابات”.
وتابعت أنّ “هناك ما يدعو إلى الخوف من أن يدفع أردوغان تركيا إلى مستويات جديدة من التطرف”.
وأعربت أليس فايدل، رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب البديل لأجل ألمانيا “إيه.أف.دي” اليميني المعارض، عن اعتقادها بأن الديمقراطية في تركيا معرضة للخطر حاليا بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وأشارت إلى أنه صار حقيقيا حاليا ما أعلنه أردوغان قبل أعوام، وهو أن “الديمقراطية مجرد قطار نستقله حتى نصل إلى الهدف”، لافتة إلى أن النفوذ “العثماني الجديد” في المنطقة سوف يواصل تزايده، وأن “النزاعات التركية الداخلية سوف تنتقل بشكل أقوى دائما إلى شوارع ألمانيا”.
وفي أول وعوده بعد الانتخابات، قال أردوغان، الاثنين، إن تركيا ستواصل “تحرير الأراضي السورية” حتى يتسنى للاجئين العودة إلى سوريا بأمان، وأنها ستتحرك بشكل أكثر حسما ضد “المنظمات الإرهابية”.
ويصف أردوغان مرارا معارضيه بأنهم أعداء الديمقراطية ليلعب على وتر المشاعر القومية التي سادت بعد محاولة الانقلاب في 2016.
وأضاف “لن نتوقف حتى تصبح تركيا، التي أنقذناها من المتآمرين والانقلابيين والمرتزقة السياسيين والاقتصاديين وعصابات الشوارع والتنظيمات الإرهابية، من بين أكبر عشرة اقتصادات في العالم”.
المصدر : صحيفة العرب