لا شك في أن الصورة الجماعية التي أُخذت لـ “أردوغان-بوتين-روحاني” خلال اجتماع “سوتشي” تمثل رمزاً سياسياً في غاية الأهمية، إذ تسعى روسيا لرسم شكل المرحلة السياسية من خلال اجتماع سوتشي بعد أن أنهت تصميم الساحة والمشهد العسكري في سوريا من خلال “أستانة”، ولكل من روسيا وإيران أسباب قوية للبدء بنفيذ هذه المرحلة السياسية على أرض الواقع، إذ تسعى الأخيرتان لتحقيق مكاسبها من خلال مرحلة سياسية بعد أن أجبرت المعارضة السورية على التراجع من الساحة وبالتالي بقاء نظام الأسد على عرش السلطة.
تركيا تريد أن تمر الأزمة السورية في إطار سياسي، إذ أدت الخسائر الإنسانية والسياسية التي تسببت بها الأزمة السورية إلى تقلّص مجال تأثير تركيا في سوريا، أصبح لتركيا جدول أعمال وحيد وهو وضع حزب الاتحاد الديمقراطي أو أكراد سوريا بشكل عام، إن استطاعت أنقرة الحصول على بعض الامتيازات في المنطقة فإنها ستكون جاهزة لإعادة النظر في سياستها تجاه المعارضة والنظام معا، أي أن هناك توافق بين آراء جميع الأطراف في خصوص تنفيذ المرحلة السياسية في سوريا ولكن ضمن تبريرات مختلفة، إنّ المسألة الأساسية ليست حول ضرورة تنفيذ المرحلة السياسية من أجل حل الأزمة السورية، إن حل الأزمة في سوريا يتطلب مرحلة سياسية بالتأكيد، لكن جوهر المسألة يتعلق بما تستند إليه المرحلة السياسية وما تحتوي عليه، كما أن الإعاقة التي زادت بسبب اجتماع سوتشي فيما يخص المرحلة السياسية مرتبطة بهذا الأمر أيضاً، إذ تم إنشاء جدول أعمال اجتماع سوتشي بناء على قراءة روسيا للمرحلة السياسية، أي إننا نتحدث عن مرحلة تركّز على الإصلاح الدستوري والتوجه إلى الانتخابات من خلال إلغاء الانتقال السياسي واستبعاد احتمال رحيل الأسد، إذ لا يمكن توقع رحيل الأسد بعد بقائه على عرش السلطة بعد مرور 7 سنوات من الحرب الأهلية.
نظراً إلى بنية اجتماع سوتشي فإن ما حدث خلاله لا يمثل حلاً للأزمة السورية في إطار عملية سياسية، بل يشكل محاولةً من قبل روسيا وإيران بهدف إقناع المعارضة السورية ببقاء نظام الأسد من خلال حملة إعلامية خطيرة ضمن اجتماع سوتشي، إن وجود تركيا في هذا الاجتماع يحمل أهمية بالغة ولكن مع تنازلات بسيطة وسطحية، إذ تمثل مشاركة تركيا مصدر المشروعية للرئيس لهذه المرحلة، لا يمكن لروسيا وإيران أن تبدأ بمرحلة سياسية لوحدها، حتى وإن استطاعت البدء بذلك فلن تحقق أي نتائج ملموسة لأنها لن تتمكن من شمل المعارضة السورية ضمن هذه المرحلة.
ومن أهم مؤشرات نجاح اجتماع سوتشي هو إجراء هذا الاجتماع من خلال ربطه بمؤتمر جنيف، لأن التسوية السياسية في سوريا لا تبدو واقعية من دون أمريكا وأوروبا ومشاركة إقليمية أوسع، كما أن لوجود تركيا أيضاً أهمية كبيرة في هذا الصدد، إذ سيسهل التكامل بين سوتشي وجنيف القبول الدولي لهذه المرحلة.
كان من الضروري إعادة تشكيل تركيبة وطلبات المجموعات المعارضة المشاركة من أجل تسهيل سير أمور مثل هذه المرحلة السياسية، بعبارة أخرى تمت إعادة تصميم مجموعات المعارضة بنسبة كبيرة، إذ شهدنا مسبقاً على استهتار المعارضة بأهدافها وبنيتها، كما حدث انخفاض كبير في أعداد الأشخاص والمجموعات التي تحمل أهدافاً واقعية، بدلاً من ذلك تم تغيير طبيعة المعارضة بشكل ملموس من خلال مشاركة عناصر جديدة من القاهرة وموسكو، على سبيل المثال أصبح “حسن عبد العظيم” أحد أعضاء لجنة التنسيق الوطنية في دمشق ضمن قائمة الأسماء المعارضة، لأن الاستهتار الذي حدث في بنية المعارضة أدى إلى انخفاض كبير في نسبة المطالب، إذ لا يمكن لمعارضة مستهترة إلى هذه الدرجة المطالبة بتغيير النظام أو رحيل الأسد أو الانتقال السياسي، وعند اجتماع النظام والمعارضة من أجل المفاوضات سيجلس النظام في طرف والمعارضة التي لا تنظر إلى بنية النظام بجدية في الطرف الآخر.
في حال عدم إيجاد حل للقضايا والمطالب التي تسببت في ظهور الأزمة السورية فإن الحل السياسي المذكور في خصوص سوريا يعتبر محاولة حل وليس حل شامل، إذ تحولت هذا المرحلة إلى دبلوماسية تهدف إلى إقناع المعارضة بالتنازل والقبول ببقاء النظام والأسد، إن ما يحدث الآن لا يمثل حلاً سياسياً للأزمة السورية، بل نشهد على محاولة الأطراف للحد من التزاماتها فيما يخص الأزمة، ومن الواضح أن مثل هذا الحل السياسي قد يؤدي إلى إبعاد الأزمة أو إخفاءها لفترة معينة ولكن من المؤكد أنه سيزيد في عمقها أيضاً.
ترك برس