ولكي تكون الصورة كاملة، فإن فئة مماثلة تماماً نشأت في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، والتي ارتبطت بدورها بالأجسام العسكرية المتعددة بل الانشطارية التي تتوزع على مختلف تلك المناطق.
وهكذا، وفي وسط هذه الحالة الاقتصادية المزرية، تمخضت عن التحركات السياسية والدبلوماسية مؤخراً هدنة قابلة للتمديد، بدأت بخمسة عشر يوماً.
وعلى الرغم من أن حجم التراكمات السلبية وآثارها والذي أفضت إليها الحرب على مدار السنوات الماضية يجعل من الغريب أن يتم بحث أي أثر لهدنة يشك في إمكانية استمرارها على هذا الواقع، إلا أنني أجد ضرورة لإلقاء الضوء وإبداء مخاوف حول جانب مخفي يتعلق بالنشاطات التي يقوم بها منتفعو الأزمة على كلا الجانبين في إطار سعيهم لتأمين مصالحهم وفق ما يواكب المرحلة المزمعة، والتي أعتقد أنها ستُستغل من قبل النظام بصورة أساسية.
فعدا عن جوانب سياسية وعسكرية شرع النظام على الفور في المناورة عبرها مستغلاً التحركات السياسية والدبلوماسية والهدنة، بدءاً من إعادة سيناريوهات فرض شرعيته عبر الإعلان عن انتخابات مجلس الشعب، المجلس الأكثر سخرية في تاريخ سوريا الحديث؛ مروراً بسعي النظام لاستغلال عدم شمول الهدنة لمناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة وجبهة النصرة وحلفاء لهما، في تكثيف قصفه وعملياته، فإن مبادرات بدأت تطفو على السطح بين الفئتين ربيبتي الأزمة والحرب واللتين تم الإشارة لهما آنفاً لتشكلا قناة تواصل بل وتفاعل بين النظام وأطراف عسكرية أو شبه عسكرية معارضة، تنادي بتنسيق المواقف مع النظام، لاسيما في ظل التمادي غير المسبوق للقوات الكردية والمتهمة بالقيام بأعمال تطهير عرقي، واستخدام النظام للتنسيق معها في ضرب خصومه من جهة وإظهارها من جهة أخرى كبعبع للمناطق العربية التي يسيطر عليها التنظيم أو تتواجد فيها جبهة النصرة، فيما يشبه التحريض لإجراء تفاضل بين النظام والأكراد، الأمر الذي ترافق بعفو عام تم إصداره من رأس النظام (بشار الأسد)، ودعوات لسكان المناطق التي سيطر عليها النظام بالعودة إليها، لترجيح كفة النظام في عملية التفاضل تلك، ولاسيما في ظل أجواء الخذلان غير المسبوق الذي تمارسه القوى الحليفة للثورة السورية لصالح الأكراد وأتباعهم في المناطق الشمالية من سوريا.
والخطورة الحقيقية هنا بالعودة إلى الجانب الاقتصادي، أن كل ذلك ربما يكون مقدمة لاتحاد مالي وسياسي مدعوم بالقوة العسكرية بين هاتين الفئتين، يُتوقع أن تقوما بتنسيق مصالحهما في إطار حالة السلم، لتحاولا معاً ركوب موجة السلام كما ركبتا موجة الحرب والقتال، وذلك لتشكيل منظومة اجتماعية جديدة تتوزع على أساسها الثروة بصيغ مختلفة شرعية وغير شرعية عبر الاقتصاد الموازي، وبإشراف مباشر من قبل النظام.
وهكذا سيترافق شعورنا بأن الثورة كلها لم تؤدِ إلا لتحقيق الأكراد لطموحاتهم الانفصالية على حساب دماء الشعب السوري ودمار ماضيه وحاضره، مع شعور آخر لا يقل خطورة بأن من كانوا أعداءً في الحرب وتجار أزمتها سيغدون أصدقاءً في السلام وسادة متحدين على من تبقى أو سيتبقى في سوريا من السوريين.
د. عبد المنعم حلبي – اقتصاد