لم تكد الحرب تضع أوزارها في الموصل حتى اجتاحت بغداد ومدنا عراقية أخرى موجة من عمليات الخطف والاغتيال استهدفت نخبا وكفاءات علمية في مقدمتهم الأطباء.
وشهدت الأيام الماضية مقتل طبيبين طعنا بالسكاكين واختطاف ثلاثة آخرين، ومقتل عدد من الكوادر التعليمية، وهو ما دفع أطباء لتنظيم وقفات احتجاج في عدد من المدن، منها بغداد وكركوك وديالى والبصرة، طالبت السلطاتِ الأمنية بحمايتهم وردع المعتدين عليهم.
وقال الناطق باسم وزارة الصحة سيف البدر إن بين المستهدفين موظفين في وزارة الصحة، إضافة إلى أطباء متقاعدين يعملون في عياداتهم، كما شمل الاستهداف بعض العاملين في المهن الطبية أحدهم سائق سيارة إسعاف قتله في مدينة العمارة ذوو أحد المرضى، وأدى الضغط الأمني على الخاطفين إلى الحيلولة دون قتل بعض الأطباء المختطفين، حين تدخلت القوات الأمنية وأجبرت العصابات على إطلاقهم.
ويضيف البدر للجزيرة نت أن الاعتداءات التي يتعرض لها الأطباء في العراق شبه يومية، تبدأ من الاعتداء اللفظي والتهديد مرورا بالضرب وصولا للخطف والقتل، بالإضافة إلى خطف أفراد من أسرهم للضغط عليهم.
وأشار البدر إلى بروز تعقيدات اجتماعية تحول دون حصول المتضررين على حقوقهم، فكثير من هؤلاء الأطباء يتعرضون لضغط اجتماعي كي يحلوا الموضوع عشائريا، ويدفع هذا الضغط ببعضهم إلى السكوت خوفا من التبعات، كما أن هناك حالات كثيرة لا يعلن عنها، وليس كل الحالات التي تصل إلى الشرطة تصل إلى القضاء.
وقد حذرت جهات سياسية وأمنية من تصاعد هذه العمليات في الآونة الأخيرة، ودعت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية الحكومة إلى التدخل لوضع حد لها قبل أن تؤدي إلى هجرة ما تبقى من كفاءات عراقية.
ويقول عضو اللجنة شاخوان عبد الله إن ازدياد حالات الخطف والقتل أصبح مصدر قلق لجميع العراقيين، حيث بلغ عدد عمليات الاختطاف والاغتيال في الأشهر الستة الأخيرة أكثر من مئتي حالة، نصفها في مركز العاصمة.
وأضاف عبد الله للجزيرة نت أن لجنة الأمن والدفاع ناقشت هذه التطورات وتداعياتها، وهناك خطوات ستعلن قريبا، كما طالبت اللجنة الحكومة بتحديد الجهات التي تقوم بالاعتقالات، حيث توجد نحو ست جهات تقوم بذلك، بالإضافة إلى المطالبة بإخراج المسلحين من مركز بغداد وإيجاد معسكرات لهم بعيدة عن مناطق السكان.
ويصف النائب التعامل الأمني مع الموضوع بأنه دون المستوى المطلوب، “وهناك نوع من فقدان الثقة لدى المواطن العراقي، إذ كثيرا ما تستخدم هذه العصابات ملابس وهويات رسمية أثناء عمليات الخطف، كما أن بعض الجهات تستغل اسم الحشد الشعبي وتنتحل صفته في تنفيذ هذه العمليات رغم تبرؤ الحشد منهم”.
ويرى الكاتب الصحفي صهيب الفلاحي أن “الدولة عاجزة عن التصدي لهذه العصابات، وهو ما يبدو واضحا في عدم التوصل إلى القتلة ومن وراءهم”. ويؤكد أنها ليست جرائم فردية يقوم بها مجرمون عاديون، فجرائم مثل هذه تستهدف شريحة معينة لا بد لها من رأس مدبر ومعلومات متكاملة وأدوات متنفذة تستطيع الوصول إلى الهدف بسهولة.
ويضيف الكاتب أن انتشار السلاح بيد مجموعات كثيرة يجعل من الصعب توجيه أصابع الاتهام نحو جهة معينة، لذا فإن الدولة مطالبة بالقضاء على ظاهرة فوضى السلاح المنتشر عشوائيا.
ويشير الفلاحي إلى أنه “رغم أن رئيس الوزراء حيدر العبادي يتحدث اليوم بصوت عال بعد انتهاء عمليات الموصل، لم تحدث إجراءات حقيقية تحد من التدهور الأمني، خاصة أن بعض هذه العمليات يرتكبها منتسبون لجهات مسلحة، وهذا التداخل بين الجريمة ومن يوفرون لها الغطاء الرسمي هو السبب الرئيسي في فشل أي خطة أمنية يمكن أن تقوم بها الدولة للقضاء على الجريمة المنظمة”.
المصدر: الجزيرة