عند الساعة السادسة صباحاً، يومياً، يبدأ عناصر من قوات النظام تدريباتهم في “الفرقة العاشرة” المتمركزة على سفوح بلدة قطنا الواقعة في منتصف الطريق بين جبل الشيخ والعاصمة دمشق. تدريبات لا يُمكن وصفها بالاعتيادية، بحسب جداول التدريب، بل تكتسب أهميتها كونها تتم بإشراف ضباط روس بشكل مباشر.
ويتألف الجيش السوري من ثلاثة فيالق، أكبرها “الفيلق الأول” المسمى “فيلق دمشق” ويغطي دمشق حتى هضبة الجولان ودرعا، ويضم الفرق المدرعة 1 و3 و9، والفرق الميكانيكية 5 وألوية مشاة وأفواج قوات خاصة. و”الفيلق الثاني” يتمركز في منطقة الزبداني ويشرف على محيط العاصمة الغربي والحدود السورية-اللبنانية، ويضم الفرق المدرعة 4 و7 والفرق 10 الميكانيكية، وألوية مشاة خاصة وأفواج خاصة. و”الفيلق الثالث” أو “الشمالي” ويغطي منطقة حماه حتى الحدود السورية-التركية والسورية–العراقية، وخط ساحل البحر المتوسط. ويضم كل فيلق عدداً من الفرق والألوية العسكرية.
التدريبات انطلقت في 22 نيسان/إبريل، وتوسعت لتشمل عدداً من الفرق في قوات النظام، باختلاف كبير عن بقية التدريبات الاعتيادية. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “المدن”، فإنه منذ بداية آذار/مارس، تم رفع قوائم من “الفرقة العاشرة”، التي تحتوي مركز تدريب لـ”الفيلق الثاني”، بأسماء عناصر قوات النظام ورتبهم وتوصيفهم الميداني (الاختصاص والدورات العسكرية التي خضعوا لها) إلى القيادة العسكرية في وزارة الدفاع. وبعدها تم إعداد دورة تدريبية عسكرية لـ500 عنصر، على كافة الاختصاصات باستثناء السلاح الجوي.
وتضم الدورة مجندين وصف ضباط وضباط من “الفرقة العاشرة” و”الفرقة 14″ و”اللواء 18″. وتتزامن هذه الدورة العسكرية الخاصة، مع أخرى تشارك فيها “الفرقة الخامسة” و”الفرقة التاسعة”، ومركزهما درعا، بالإضافة إلى “الفرقة 15” ومركزها السويداء. كما أقيمت دورة لكل من “الفرقة الأولى” و”الفرقة 11″ و”الفرقة السادسة” من “الفيلق الأول”، واستثنيت منها “الفرقة الرابعة” الشهيرة، والتي يقودها ماهر الأسد.
وبحسب معلومات “المدن” فإن كل دورة في الفيالق الثلاثة، تضم 500 عنصر. وفي “الفرقة العاشرة” حضر 6 ضباط روس مع مترجم-ضابط سوري، لكل منهم. وراقب الضباط الروس اللياقة البدنية لعناصر قوات النظام الخاضعين للدورة، بالإضافة إلى دروس الانضباط، وأشرفوا بشكل مباشر على دروس الرمي والمناورات والتكتيك.
التغيّر الأبرز في هذه الدورات، هو في دروس “التوجيه السياسي” خلال الاجتماعات الصباحية، التي بدت مغايرة لما هو مألوف لدى قوات النظام. فلطالما ركزت الدروس على الشعارات الجوفاء، أو طروحات عن التضليل الإعلامي والمؤامرة التي تتعرض لها سوريا. دروس التوجيه السياسي الجديدة، بإشراف روسي، بدأت تروج أن الجندي هو الشخص المقدس في سوريا، فهو من يتوجب عليه حماية الشعب، لذلك فعليه أن يتحلى بدرجة كبيرة من المسؤولية، وعلى الجنود أن يمتثلوا لتعليمات قياداتهم العسكرية التي يجب أن يكون همّها حماية البلد، وإرساء حالة الأمن والأمان من دون الانهماك بالصراعات السياسية الدائرة. فقوة المؤسسة العسكرية بحياديتها. وتمّ استبدال الهتافات التي يرددها الجنود، خلال هذه الدورة في دروس الانضباط، من “بالروح بالدم نفديك يا بشار” إلى “بالروح بالدم نفديك سوريا”، وهذه سابقة داخل المؤسسات العسكرية التي لازالت إلى الآن لا تردد كلمة سوريا إلا ويرافقها “الأسد” كنسبة لصيقة بها. ورافق الدورة تصوير من قبل فريق إعلامي روسي، لم يعرف اذا كان تابعاً للجيش الروسي، أو لقناة إعلامية روسية ما.
ونقل بعض الجنود عن الضباط الروس، أنه يتوجب عليهم البقاء في حالة جاهزية قصوى بانتظار تعليمات قياداتهم العسكرية، وأن هذه الدورات هي لإعادة انعاش الجنود في جيش النظام، ولا تهدف في الوقت الحالي إلى مشاركتهم بأي أعمال قتالية، أو إرسالهم إلى جبهات جديدة للقتال. كلام الضباط الروس بحسب مصدر “المدن”، زرع الطمأنينة في قلوب الجنود الذين ينفذون خدمتهم العسكرية الإلزامية في مناطق هادئة نسبياً، ولا يشتركون في أعمال قتالية هجومية مباشرة. فلن يتم زجهم في جبهات القتال المشتعلةـ بعدما سرت شائعة بإن هدف هذه الدورات هو تأهيل كوادر لتعزيز جبهة حلب، التي تشكل رعباً لجنود النظام، بحسب الشهادات التي حصلت عليها “المدن”.
ورافق هذه الدورات حالة من الاستياء، بعد التضييق الذي تعرض له الجنود الذين يخضعون للدورة، نتيجة سحب بطاقاتهم العسكرية، لتقييد حركتهم، فلم يعودوا قادرين على مغادرة قطعاتهم العسكرية من دون أوراقهم الثبوتية، وفي حال المخالفة سيعرضون أنفسهم للمساءلة والاعتقال من قبل الحواجز الأمنية. ويهدف هذا الإجراء إلى منع الجنود الذين يخضعون لهذه الدورات، من مغادرة أماكن خدمتهم العسكرية، من دون إجازة رسمية من قبل قياداتهم، بغرض تحقيق أكبر قدر من الانضباط.
وشكّلت هذه الدورات فارقاً عن سابقاتها خلال السنوات الخمس الماضية، والتي كانت بإشراف ضباط إيرانيين، في معسكرات متواجدة في القنيطرة ودرعا. وكانت الدورات الإيرانية ذات طابع هجومي، تركز على الأمور العسكرية من خلال دروس الرمي والتكتيك، والتعامل مع العدو بكافة أنواع الأسلحة. في حين بدت الدورات الروسية أكثر إعتماداً على الانضباط والتنظيم والتركيز على دروس التوجيه السياسي، الغائب تماماً عن الدورات الإيرانية السابقة.
وبينما كان التعامل أكثر مرونة بين قوات النظام والضباط الإيرانيين الذين كان معظمهم يجيد اللغة العربية، فالضباط الروس لا يمكن التعامل معهم إلا من خلال المترجم، ما يُشكل صعوبة في التواصل. كما أن الدورات الإيرانية كانت تهتم بلباس الجندي وطعامه، بحيث يقدم لكل مقاتل وجبات من الأطعمة الجاهزة تحتوي على اللحم، في حين بقي الطعام ذاته في دورات الضباط الروس، الأمر الذي شكّل استياءً عند الجنود بسبب تدني مستويات الطعام وقلته، كحال بقية القطع العسكرية في قوات النظام.
الدورات التي أقامها الإيرانيون، غالباً ما كانت تستقطب الجنود العلويين، بشكل رئيسي، ومن ثم المجندين من الأقليات، وسط استبعاد للجنود من الطائفة السنية، خاصة من تعود أصوله إلى مناطق ثائرة على النظام. في حين أن الدورات التي يقيمها الروس تحظى بنسب متساوية بين السنة والأقليات.
البصمة الروسية المباشرة داخل قوات النظام، كانت قد بدأت بعد أسبوع من التدخل العسكري في سوريا، في 30 أيلول/سبتمبر 2015، وبدأت بإعادة هيكلة مليشيا “الدفاع الوطني” في المنطقة الشمالية. وتلك المليشيا كانت مشروعاً إيرانياً. وعملت روسيا على إعادة هيكلة المليشيا في ما يعرف بـ”الفيلق الرابع هجوم”، بحسب ما أعلن رئيس “الهيئة العليا العسكرية” علي عبد الله أيوب، في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2015. إلا أن المشروع الروسي لم يُستكمل، وبقيت مليشيا “الدفاع الوطني” مستقلة، برعاية إيرانية. –
مجد الخطيب – المدن