تسببت زيارة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إلى العراق في المزيد من الحرج لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي يواجه ضغوطا إيرانية متزايدة للحد من انفتاح بغداد على الإدارة الأميركية الجديدة.
وعلمت “العرب” أن العبادي تلقى رسالة احتجاج إيرانية شديدة اللهجة، انتقدت توافقه مع تصورات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الدور الإيراني السلبي في العراق، خلال المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما الأسبوع الماضي.
ووفقا لسياسي عراقي بارز، تحدث لـ”العرب” فإن طهران أبلغت العبادي بأنها لن تصمت إزاء أي ضغط أميركي على أذرع نفوذها في العراق، وأنها “لن تتردد في استخدام جميع الوسائل، لحماية مصالحها في العراق، من أي تهديد أميركي”.
وكشف السياسي أن معظم دقائق اللقاء الذي عقد بين العبادي وماتيس في بغداد، الاثنين، انقضت في الحديث بشأن قدرة بغداد على الاصطفاف إلى جانب واشنطن لتطويق أذرع التأثير الإيراني في العراق، بما في ذلك مواجهة عسكرية محتملة.
وذكرت مصادر عراقية شديدة الاطلاع على الكواليس السياسية في بغداد، أن إيران تخطط لنشر منظومات دفاع صاروخي في بعض مناطق العراق، تحسبا لأي مواجهة مع الولايات المتحدة.
ووفقا لهذه المصادر، فإن بعض المناطق العراقية شهدت بالفعل نصب منظومات لإطلاق صواريخ، يصل مدى بعضها إلى دول مجاورة وغير مجاورة للعراق.
وتترافق هذه المعلومات مع تسريبات من السفارة الأميركية في بغداد تشير إلى أنها تدرس وضع خطة عاجلة لإخلاء الرعايا الأميركيين من العراق إلى بلد مجاور، في حال اندلع نزاع مسلح بين الولايات المتحدة وإيران.
ويقول السياسي العراقي، إن العبادي يعلم أن بلاده ستكون الساحة الأولى لأي مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، وإن السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء هي أول هدف يمكن أن تهاجمه صواريخ الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران.
لكن تلك الفصائل، تؤكد أنها جزء من منظومة الدفاع العراقية، وأنها ترتبط بقيادة الحشد الشعبي، الذي شرّع وجوده البرلمان، ولا يمكن أن تخرج عن هذا الإطار.
ووفقا لقانون الحشد الشعبي، فإنه مرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء، في جميع أوامره.
وتتعامل الشخصيات القيادية في الحشد الشعبي مع المعلومات التي تتحدث عن نية الولايات المتحدة إنشاء خمس قواعد عسكرية في العراق وسوريا، بحذر.
ويقول قيادي بارز في حركة عصائب أهل الحق، التي يقودها قيس الخزعلي، إن تورط الحشد في أي نزاع مسلح بين إيران والولايات المتحدة، هو أمر مستبعد، “لكن الشارع قد يقول كلمته”، في إشارة إلى إمكانية أن تدفع الفصائل العراقية الموالية لإيران جمهورها إلى الشارع، للضغط على حكومة العبادي، من أجل تعديل مسار علاقتها بالولايات المتحدة.
وقال مراقب سياسي عراقي إن “الشارع سيقول كلمته” هي كلمة السر التي تضع كل شيء في إطار التعبئة من أجل الوقوف مع طهران في أي صراع محتمل مع واشنطن، لافتا إلى أن ما تخطط له الإدارة الأميركية سيصطدم بمقاومة الأحزاب الحاكمة، دفاعا عن مصالح إيران في العراق، وهو ما سيدفع الشعب العراقي ثمنه.
وتعرف الإدارة الأميركية أن إيران ستجن لو أنها حرمت من العراق لذلك ستسعى بكل السبل إلى الضغط في اتجاه تحييد العراق وتجريده من أسلحة الدفاع الإيرانية،
وأن طهران لن تستسلم بيسر للإملاءات الأميركية، خاصة أن خسارة العراق بالنسبة إليها تعني انقطاع الصلة بحزب الله من خلال سوريا.
واعتبر المراقب في تصريح لـ”العرب” أن العراق هو خلية النحل التي تزعج إيران من خلالها السعودية ودول الخليج، وأن النظام السياسي القائم في العراق على أساس الاعتراف بحق الشيعة في الحكم المطلق يعتمد كله على الحماية الإيرانية، مشددا على أن أي إخلال بقواعد اللعبة الحالية سيقود بالضرورة إلى سقوط ذلك النظام.
وأشار إلى أن رئيس الوزراء العراقي سيجد نفسه حتما في وضع لا يُحسد عليه، خاصة أنه رجل دولة ضعيف مقارنة بما يحيط به من كتل سياسية، متسائلا إن كان العبادي قادرا على المجازفة بالقبول بما تقترحه عليه واشنطن.
وكشفت تصريحات العبادي الأخيرة عن حالة من الارتباك تجاه الصراع الأميركي الإيراني الذي يمكن أن تنطلق شرارته في أي لحظة.
وسعى إلى النأي بنفسه عما أسماه بسياسة المحاور في المنطقة والعالم، لكنه أشار الثلاثاء إلى أن “مساحات الاتفاق مع دول الجوار أكبر من مساحات الاختلاف”، في موقف قال مراقبون إن هدفه امتصاص غضب الإيرانيين، والظهور بمظهر المدافع عن دورهم في العراق.
لكن رئيس الوزراء العراقي لم يبد أي نقد تجاه تصريحات المسؤولين الأميركيين، خاصة ما صدر عن جيمس ماتيس وزير الدفاع الذي أكد أن قوات بلاده ستبقى لفترة طويلة بالعراق.
وجاء تصريح ماتيس متناسقا مع تصريحات سابقة للرئيس ترامب الذي قال إن بلاده اقترفت خطأ فادحا حينما دخلت العراق ثم “سلمته لإيران” بعد أن أنفقت في ذلك ثلاثة تريليونات دولار.
العرب ىاللندنية