زوبعة إعلامية أثارها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” أثناء السباق الرئاسي إلى سدة البيت الأبيض, وفتح الباب أمام جميع تكهنات النقاد والمحللين السياسيين عن نظرته الاستراتيجية القادمة لإحداث التوازن في ميزان القوى السياسية والعسكرية على الساحة الدولية, وخصوصاً في سورية بعد أن “توغلت” كل من روسيا وإيران واستفردتا في الملف السوري من “بابه لمحرابه”.
ولكن المفاجأة كانت استمرار الولايات المتحدة الأمريكية مع إدارتها الجديدة في ممارسة سياسة المراقب الخارجي للانفلات “الروسي-الإيراني” في سورية, بل هناك من ذهب أبعد من ذلك ليعتبر أن الولايات المتحدة تسير مع روسيا في خندق واحد, وتنسق معها جميع العمليات على الأرض بالشكل الذي يزيد من “توغل” روسيا في المنطقة, ويلبي المصالح المشتركة الأمريكية القريبة منها والبعيدة بشكل أو بآخر, وخصوصاً ما يتعلق بأعلى هرم أولوياتها وهو ما تسميه “الحرب على الإرهاب”.
واليوم تعطينا إدارة الرئيس “ترامب” إشارات واضحة بعزمه انتهاج سياسة متوافقة مع دور روسيا في سوريا, بمعنى أنه يسعى لتعميق التعاون بين البلدين, فالتفاف الإدارة الأمريكية على المطالب التركية, واستمرارها في اتباع سياسة “استدارة الظهر” لمطالب تركيا في توقف “واشنطن” عن دعم المسلحين الأكراد في الشمال السوري هو أحد أهم هذه المؤشرات, بل إن واشنطن تعمّدت أن تخالف الرغبة التركية تماماً, فأرسلت قوات أمريكية إلى مدينة منبج لردع تركيا كما صرّح مصدر في البنتاغون, وسلمت المقاتلين الأكراد مدرعات وعربات مصفحة ومتطورة ورفعت من مستوى تسليحهم, وأخيراً تواردت العديد من الصور التي تنقل انتشار مصفحات وناقلات جند ترفع العلم الأمريكي تسير في شوارع مدينة منبج السورية.
لم يعد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” يتطرق لقضية رحيل رئيس النظام السوري “بشار الأسد”, ولم يحاول حتى رسم خطوط حمراء وملونة لممارسات النظام الوحشية بحق شعبة, بل ركّز في كل خطاب ألقاه على نقطة واحدة, وهي استئصال ما يسميه “بالتظيمات الإرهابية” في سورية والعراق والعالم, وأعطاها درجة الأولوية في سلم السياسة الأمريكية, وألمح في أكثر من مرة أن هذه الحرب تحتاج إلى تعاون روسيا مع أمريكا على الأرض وفي كل المجالات خصوصاً في إعداد العدة لحربهم القادمة على مدينة الرقة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”, لأن “واشنطن” على ما يبدو لا تمانع في الحصول على أي مساعدة عسكرية من طرف يتفق معها في الغاية ويختلف معها في المصالح البعيدة وتقاسم المكاسب.
ولا شك أن روسيا هي الدولة الأبرز والمرشحة لشغل هذا الفراغ الذي تطلبه الولايات المتحدة باعتبارها دولة قوية ومتمرسة في الحرب الدائرة في سورية منذ ما يقارب العامين وحتى اللحظة, وربما ستنسق أمريكا مع روسيا في دول أخرى في العالم كليبيا وأفغانستان.
أعطت واشنطن الضوء الأخضر للاتفاق الذي حصل بين النظام السوري من جهة, وقوات سورية الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية من جهة أخرى, الاتفاق الذي تم بضمانة روسية, حيث تسلم بموجبه جيش النظام والمليشيات الإيرانية المتحالفة معه خط المواجهة بين مدينة منبج وقوات درع الفرات المدعومة من تركيا, لذلك من المحتمل أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد أنهت الحلم التركي بطرد قوات سورية الديمقراطية إلى شرق الفرات بما يخدم مصالح كل من روسيا وإيران والنظام, ترافق ذلك مع إعلان القوات الأمريكية المتواجدة في مدينة منبج أن قافلة المساعدات الإنسانية التي أرسلتها روسيا إلى سكان منبج تضمنت معدات مدرعة.
تشير كل المعطيات التي جرت مؤخراً على الأرض, أن إعجاب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بشخصية القيصر الروسي الجديد لم يكن محض “مجاملة” سياسية, وإنما كان مؤشراً بعيد المدى لمد يد التعاون بين هاتين الدولتين في سورية حتى على حساب دماء شهداء الثورة السورية التي مازالت “واشنطن” تدعي صداقتها بالأقوال فقط..
المركز الصحفي السوري-حازم الحلبي.