بُعيد إعلانها عن فتح باب المشارَكة، أكدت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الدولي “اللاجئون السوريون بين الواقع والمأمول” تسلمها عشرات الأبحاث التي تتناول التجربة السورية في اللجوء، من باحثين من جنسيات مختلفة.
وتُنظم المؤتمر، الذي سيعقد في تشرين الأول القادم، “جمعية النهضة العلمية” بالتعاون مع جامعة “أدي يامان” الحكومية التركية.
شراكة حكومية
يعكف المؤتمر في نسخته الثانية على دراسة حالة اللجوء السورية، ومقاربة جوانبها علمياً، بغية وضع معالجات ناجعة لهذه المأساة، وتقديم التفاصيل اللازمة إلى حكومات الدول المستضيفة للسوريين وخصوصاً السلطات التركية، وذلك لمساعدة صانع القرار في تلك الحكومات على مواجهة الصعوبات التي تفرضها هذه الحالة الإنسانية.
وقال رئيس جمعية النهضة العلمية، عامر النمر، في حديث لـ صدى الشام: “إن هذا المؤتمر يختلف عن غيره من المؤتمرات من حيث طريقة الطرح والتغطية العلمية التي ستؤمنها الجامعة التركية، إضافة إلى الشراكة الحكومية الرسمية مع الجانب التركي”.
وأشاد النمر بحرص السلطات التركية على نجاح هذا المؤتمر، مشيراً إلى تعاطيها مع نتائج النسخة الأولى من المؤتمر بجدية، وكذلك من خلال إعلانها عن شراكتها الرسمية في النسخة الثانية، مؤكداً مشاركة وزراتي التربية والأسرة التركية في جدول أعمال المؤتمر بصفة رسمية.
“حرب باردة”
تتألف الهيئة العلمية للمؤتمر من 58 عضوًا أكاديميًا من 7 دول منها الأردن وفرنسا وفلسطين والعراق ومصر، وممثلين عن معظم الجامعات التركية، وتعتبر هذه الهيئة أن قضايا اللجوء والنزوح باتت من أهم القضايا التي تواجه العالم، نظراً لما لها من تبعات عدة اقتصادية وسياسية واجتماعية وديمغرافية.
وتذهب اللجنة إلى وصف قضية اللاجئين السوريين بأنها “جوهر حرب باردة تشنها الإمبريالية للهيمنة على المنطقة”.
وعن أهم المحاور التي سيناقشها المؤتمر، أفاد النمر، بأنها تشمل: “أطفال اللاجئين السوريين”، “اللاجئون السوريون والتعليم”، “اللاجئات السوريات”، “السوريون والتكيف الاجتماعي”، “اللاجئون السوريون والإعلام”، “دور المنظمات والمؤسسات”، “الوضع القانوني للاجئين”، “الصحة”، “الاقتصاد”.
من جانبه أشار عضو هيئة المؤتمر العلمية المُحكّمة، الأكاديمي عبد الله طويل، إلى اختلاف جوهري في النسخة المرتقبة عن سابقتها، وذلك بسبب تفاقم “الأزمة” السورية، حسب وصفه.
وأضاف طويل لـ صدى الشام: “بعد كل هذه المدة من اللجوء، نجح بعض اللاجئين السوريين في التأقلم مع حياتهم الجديدة، مقابل فشل بعضهم الآخر في ذلك، إلى الدرجة التي لم يعد فيها قادراً على مواصلة حياة اللجوء، لذلك جاء هذا المؤتمر لبحث المتغيرات الجديدة التي طرأت، الإيجابية منها والسلبية”.
جوانب مضيئة ومعتمة
وبحسب طويل، أستاذ العلوم الإنسانية في جامعة “أدي يامان” التركية، فإن أبرز ملامح تجربة اللجوء السورية هو “النجاح اللافت الذي حققه كثير من اللاجئين السوريين”، وتابع “من اللاجئين من حوّل الغربة التي يعيشها، إلى فرصة للتميز، سيما وأنها تحرره من القيود التي كان يرزح تحت وطأتها في سوريا”.
ومضى قائلاً: “لقد شاهدنا تميزاً سورياً في كل المجالات والجوانب، الاقتصادية والعلمية والثقافية، وقد تحول اللاجئ السوري خلال فترة اللجوء من عالة على الدولة المستضيفة إلى ركن أساسي في عملية البناء، ومثال ذلك ما جرى في مصر وتركيا والأردن”.
هذا الأمر أكده أيضاً عامر النمر، وقال: “يُحسب للسوريين في تركيا تلك النجاحات الباهرة، ومساهمتهم في الاقتصاد والإنتاج و التجارة والزراعة بشكل واضح لا يستطيع أحد تجاوزه”.
واستدرك: “لهذا سيبحث المؤتمر الجوانب المضيئة بإسهاب، فما يهمنا هو تعميم هذه النماذج الناجحة، والبحث في كيفية توسيعها لتشمل كل السوريين أينما كانوا متواجدين، سواء في الدول الإقليمة المجاورة لسوريا، أو الأوروبية والغربية عموماً”.
وكما أذهلت نجاحات السوريين العالم برمته، كانت المدة الطويلة لحالة اللجوء السورية مسؤولة عن خلق ظواهر سلبية، يُجمِلها الأكاديمي عبد الله طويل بحالات العوَز الاقتصادي التي ألمت بكثير من الأسر السورية، وكذلك الخلل الذي أصاب العلاقات الاجتماعية.
ويتفق النمر مع حديث الطويل عن ظواهر السلبية نجمت عن حالة اللجوء السورية، لكنه يصنفها على أنها “ظواهر حتمية لا بد منها في أزمة إنسانية بهذا الحجم”.
معايير المشاركة
وبالعودة إلى الضوابط المعيارية للبحوث المقبولة، فقد حددت اللجنة ثلاث لغات لهذه الأبحاث (العربية، الإنجليزية، التركية)، واشترطت على الباحثين أن تحمل الأبحاث إضافة معرفية واضحة، وأن لا تكون منشورة من قبل.
ومن المهم، بحسب طويل، أن تنطوي الأبحاث على جوانب قادرة على النهوض بواقع اللاجئين السوريين، دون النظر إلى الأفكار السياسية للباحث واختلافها في حال كان بحثه مقبولاً من الناحية العلمية.
وكانت جامعة “أدي يامان” التركية، قد احتضنت النسخة الأولى من المؤتمر في أيار 2016، وخرجت بتوصيات من أهمها: العمل على إعطاء صفة اللاجئ لكافة السوريين في تركيا، بدلاً من صفة الضيوف، التي تمنع عنهم الحقوق التي تنص عليها القوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة، وكذلك ضرورة العمل على إعادة توطين السوريين.
وتعقيباً على ذلك أكد عامر النمر، أن السلطات التركية شرعت في تسوية أوضاع اللاجئين القانونية على أراضيها، لافتاً إلى تحريك ملف التجنيس لأصحاب الكفاءات من السوريين، وكذلك العمل على معالجة الملف التعليمي.
تمنيات
وكانت صحيفة صدى الشام استطلعت آراء سوريين في تركيا، وقد نقلوا تمنياتهم على المؤتمرين بأن يركزوا على القضايا التي تعتبر أولوية ملحّة للسوريين.
وبحسب غالبية المستطلَعين، فقد تصدر الوضع القانوني الشائك قائمة مخاوفهم، بينما أشار بعضهم إلى معاناتهم مع الظروف الاقتصادية السيئة، في حين لم يخفِ لاجئون آخرون قلقهم على تعليم أطفاله.
يذكر أنه وبحسب تقرير صادر عن مركز أبحاث الهجرة التابع للشرطة التركية، فإن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى السلطات في تركيا وصل مع بداية العام الحالي إلى نحو ثلاثة ملايين لاجئ، يعتمد 90% منهم في تلبية احتياجاتهم على أموالهم التي يجنونها من العمل.
صدى الشام