وقعت دول العالم في الفترة الماضية رهينة التهور الكوري الشمالي والغوغاء الهستيرية، التي أدرجها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ضمن فعاليات مهرجان خداع السياسة الأمريكية المتواصل العرض، ومهما قادنا العداء لواشنطن جراء سياستها الازدواجية تجاه قضايانا المشتعلة فيجب بنا الاعتراف بأن الرئيس الحالي لبلاد العم سام أصبح لايخيف أحد وذلك على عكس الرؤساء السابقين !!
وبينما تفقد واشنطن دورها الريادي على المسرح العالمي يتنامى دور موسكو بالضرورة، متجاوزة التباطؤ الأمريكي من خلال اندفاعات روسية محسوبة وسريعة، تؤدي إلى تبوء الروس مقعد القيادة في ظل توجس اللاعب الأمريكي من تبعات الاصطدام مع اللاعب الروسي، مما يعيد إلى الأذهان آلام الحروب العالمية ومنغصات الحرب الباردة الطويلة الأمد وهذا مايسعى الأمريكان الى عدم الخوض في مستنقعات تلك الحقبة المرعبة.
مع الإشارة هنا إلى وجود هذه الرغبة لدى ساسة واشنطن في عهد الرئيس السابق “باراك أوباما”، أيضاً وليست وليدة اللحظة تحت رعاية ترامب المشكوك بأمر ولائه إلى موسكو حتى اللحظة الراهنة (فالتحقيقات مازالت تحبو ببطء نحو الدائرة الضيقة لترامب).
وبعبارة أخرى؛ فإن فوز “هيلاري كلينتون” بالرئاسة الأمريكية، كان لن يعجل باندثار الحضارة الروسية إلى الأبد، كما ولن تقوم كلينتون بأكثر ما صدر عن الكونغرس الأمريكي والتي تلخص عقوبات قاسية بحق روسيا وإرسال مشروع قرار إلى مجلس النواب يمنع الرئيس الاميركي “دونالد ترامب” من تخفيف العقوبات ضد روسيا بشكل أحادي، أو يفوق توجهات كلينتون إيقاع قرار واشنطن بإغلاق مقر البعثات الدبلوماسية الروسية في عدة ولايات أمريكية جراء قيام الأخيرة بتقليص عدد الدبلوماسيين الأمريكيين على الأراضي الروسية.
فهل ستقوم “هيلاري” بتوجيه ضربة نووية إلى روسيا على سبيل المثال كعقاب على تدخلها بالانتخابات الأمريكية أو لضمها شبه جزيرة القرم أو لتدخلها الفج في مختلف القضايا العالمية ؟؟؟
ومن ناحية أخرى؛ ماهي الآمال المعقودة على السيدة العجوز ضمن ملف الأزمة الكورية الشمالية في حال فوزها بمقاليد المكتب البيضاوي في البيت الأسود؟؟
عزيزي القارئ، إن الشر مهما اختلفت أساليبه فإنه يحمل ذات النتيجة والألم !!
وفي ذات السياق، بالكاد كان يمر أسبوع دون أن تطلق “نيكي هالي” المبعوثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة تحذيراتها المتمثلة في العواقب الوخيمة، التي قد تلحق بخصوم بلادها حول العالم سواء أكانوا ممثلين في روسيا أو الصين أو بشار الأسد أو كوريا الشمالية، دون أن تقوم بلادها بأي رد فعل يذكر !!
ولنقم بإسقاط ما استنتجناه من هذه المقدمة على الملف السوري تزامناً مع اقتراب اجتماعات الأستانة وجنيف حول هذه القضية المتفاقمة.
فلو افترضنا على سبيل الطرح، بأن القيصر الروسي قام بدعم المعارضة السورية ضد قوات الأسد فهل كانت الأحداث سوف تنقلب لصالح المعارضة ؟؟
بعد أن تفاءل كثيرون بأن يكون النصر سيكون حليف المعارضة السورية عقب قيام معظم دول العالم بدعمها، تبين زيف التوقعات وانحسار الآمال في ظل تضاؤل الدور الأميركي في الشرق الأوسط، الذي ترك فراغاً في المنطقة وهيأ الظروف لظهور الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بوصفه لاعباً رئيسياً في الأمن الإقليمي، وخاصة في أعقاب التدخل العسكري الروسي في سوريا.
ولعل أغلب سياسي العالم وإعلاميها يدركون بأن القيصر الروسي “بوتين ” يفعل ما يقول ويتابع التزاماته تجاه حلفائه مهما تعاظمت جرائمهم وذاع صيت دمويتهم (كالديكتاتور السوري والسادي الكوري الشمالي) !!
بالمحصلة يمكننا الإجابة على النحو التالي، فلو أن الداعمين الحاليين للمعارضة السورية كانوا ضمن صف الأسد لخسر المعركة وفاز القيصر بوتين بها، ولكن يجدر الإشارة هنا بأن القيصر هو إمبراطور يحكم بالحديد والنار ويعتبر الأحرار مصدر قلق ورعب لتلك الأنظمة الاستبدادية.
وكل ما سبق يدفعنا إلى اعتناق الفكرة التالية، بأن التعويل على مؤتمرات أستانة (الروسية) وجنيف (الأمريكية) القادمين بإنهاء الحرب السورية يحمل الكثير من السخف والسذاجة، ولو كان بالإمكان ذلك لتحققت تلك الرؤيا عبر الاجتماعات السابقة للمؤتمرين !!
وقد حددت وزارة الخارجية الكازاخستانية الأربعاء، انطلاق المشاورات على مستوى الخبراء، قبيل الجولة السادسة من مفاوضات أستانة الخاصة بتثبيت الهدنة في سوريا وإقامة مناطق خفض التصعيد.
وانطلقت تلك المشاورات التقنية باجتماع مشترك ضم مندوبي روسيا وتركيا وإيران، بصفتها الدول الضامنة للهدنة في سوريا.
وفي إطار الجولة السادسة من المفاوضات التي ستجري في أستانة يومي 14 و15 سبتمبر/أيلول، سيعقد عدد من الاجتماعات الثنائية ومتعددة الأطراف بين ممثلي الطرفين المتنازعين، والدول الثلاث الضامنة والدول المراقبة في عملية أستانة.
والملفت هنا، هو تواجد جميع الجناة (الروس، الإيرانيون، الأتراك) ضمن المشاورات الاستباقية للمؤتمر دون الحاجة الى حضور الضحايا حفل الشاي على أرواحهم سلقاً !!
من جهتها، أعربت وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء، عن قلقها إزاء مشاركة إيران في مفاوضات أستانة بصفة دولة ضامنة لوقف إطلاق النار، وأشارت إلى أن دعم طهران للأسد يزيد من شدة النزاع ومن معاناة السوريين.
وكانت الخارجية الأميركية أعلنت في وقت سابق أن وفداً من واشنطن سيتوجه إلى أستانة للمشاركة بصفة مراقب في المفاوضات حول سوريا.
كما وتأمل الأمم المتحدة وفق ما أوضح “دي ميستورا” بإطلاق جولة جديدة من مباحثات السلام بين وفدي الحكومة والمعارضة السورية في أكتوبر/تشرين الأول بجنيف.
ويجدر التنويه هنا أيضاً، بأن الآمال تنعش وترفع مؤشرات السعادة لدى الشعب السوري قبل بدء المؤتمرات الدولية المختصة بعرض شريط أوجاعهم على المجتمع الدولي، لتعود الأجواء تتلبد من جديد بظلال من الشك عقب دوران الدقائق الأولى من تلك اللقاءات العديمة الجدوى !!
ولعلنا لم ننسى بعد بأن اللقاء الذي جمع الرئيسين الأمريكي “دونالد ترامب” والروسي “فلاديمير بوتين” في “هامبورغ” على هامش قمة “مجموعة العشرين” التي تستضيفها المدينة الألمانية، قد أدى إلى إقامة منطقة آمنة في جنوب سوريا بإشراف أمريكي وروسي وبالتعاون مع الأردن وإسرائيل، وذلك بمعزل عن اتفاق “مناطق تخفيف التصعيد” ؟؟ فالقرارات الهامة لا تحتاج إلى مؤتمرات دولية ولكن تتم خلف الجدران وبصمت.
وبرأيي الشخصي، ينبغي عدم مشاركة المعارضة السورية ضمن أحداث تلك المسرحيات الهزلية (فالدم السوري أمانة بأعناقهم ويجب عدم التفريط به). ومن خلال نظرة سريعة وثاقبة لنتائج المؤتمرات السابقة المتعلقة بالشأن السوري يتضح لنا بأن تلك الاجتماعات ماهي إلا جولات سياحية مدفوعة التكاليف وليس أكثر !! والمضحك المبكي بآن معاً، بأن بعض المشاركين بتلك المؤتمرات من قبل الجانبين (المعارضة والنظام) وبعد انتهاء فصول اللقاءات المخزية يرفضون العودة إلى الدول التي أتوا منها ويفضلون تقديم اللجوء في الدول الأوروبية حيث يقام مؤتمر جنيف !!!! فبأي ذنب قتلت الثورة ؟؟؟
والمثير للسخرية والاشمئزاز، هو ادعاءات وفد الأسد لتلك المؤتمرات بوحدة الأرض السورية، وعدم أحقية أي طرف كان بتحديد مصير الشعب السوري وتوجيه عربة سياسته !!
وتعليقاً على تلك الخزعبلات الأسدية، فقد حلل الخبير الإسرائيلي بالشؤون العربية “آيال زيسر”، أبعاد الغارات الإسرائيلية على سوريا وآخرها بريف حماة قبل أسبوعين مركزاً على أن النظام السوري وداعميه لم يقوموا بأي حركة تسجل على أنها رد على الهجمات الإسرائيلية.
و قال “آيال زيسر” وهو كاتب بصحيفة إسرائيل اليوم، إن سلاح الجو الإسرائيلي نفذ أكثر من مئة هجوم داخل سوريا في السنوات الأخيرة وفقاً لشهادة قائد سلاح الجو السابق الجنرال “أمير إيشل” !!
وكانت موسكو قد أقرت في يوليو/ تموز الماضي، اتفاقية سماح نظام الأسد بموجبها للقوات الروسية البقاء بقاعدة حميميم بريف اللاذقية لمدة 49 عاماً مع خيار مد هذا الترتيب لمدة 25 عاماً أخرى !! كما ترجح بعض المصادر عن اقتراب الأسد وإيران هذه الأيام من توقيع اتفاقية طويلة الأجل ستأذن بوجود عسكري إيراني في سورية طويل الأمد ؟؟؟
فأين وحدة تلك الأراضي التي يتبجحون بها ؟؟؟
ملاحظة: لا أريد تنغيص فرحة السوريين المعلقة بحبال تلك المؤتمرات الهشة، ولكن توجب قول الحقيقة في خضم تجاهل أعضاء المعارضة السورية عن ظواهر الأمور بقصد أو عن غير قصد !!
بقلم الكاتب محمد فخري جلبي