تتوالى الغارات على الشمال السوري بشراسة لتفرغ مختلف أنواع الصواريخ الحديثة منها والقديمة على مبان سكنية مكتظة بالسكان وتنتهك الحرمات، ليلة أمس عشناها بشلال من الدماء وصباح اليوم أشد مرارة مع دفن عشرات القتلى من أطفال ونساء من أهالي تلك مدينة ادلب ومن الأخوة النازحة إليها ليكونا شريكين في المجازر والأحزان، ومع فظاعة المشهد تظهر الصور الملتقطة على مواقع التواصل، لتكون شاهداً على جرائم نظام أبى إلا أن تتوسع لديه دائرة الانتهاكات، رافضاً أي هدنة من شأنها حقن دماء الأبرياء.
“أم أماني” (28 عاماً) من تلك المدينة حدثتنا بلسان مرتجف وقلب تتسارع دقاته خوفاً ورعبا عن مجزرة الحي الذي تسكن فيه “مساكن الضباط” قائلة “لم تغمض عيناي طيلة الليل مع أول صاروخ سقط في المدينة كالصاعقة شعرت بأن الأرض قد زلزلت من تحت قدماي.. آه لم تكن سوى لحظات أخرى ليسقط صاروخ آخر بجانب منزلي استهدف بناء بأكمله وكأن يوم القيامة أتى قريباً.. زحفت رويداً رويدا لسرير ابنتي الذي لم يعد في مكانه أصلاً من عزم الانفجار.. يا إلهي فتحت جميع النوافذ والأبواب وعلا صراخ ابنتي أماني وبلسان الطفلة البريئة كررت كلمات اعتادت ترديدها عند سماع صوت الطائرة “ماما راحت الطيارة”.
علت صافرات الإنذار سماء المدينة معلنة مواصلة الهجمة البربرية على مدينة خرجت عن سيطرة النظام وبات همه الأكبر ترويع وقتل من بقي فيها بحجة مكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة، ليدمر فيها الحجر والبشر ويغرق حجارتها المبعثرة بدماء الأبرياء، ليسجل تاريخها موت من يدفن دون شاهد أو ضريح.
تابعت “أم أماني” حديثها المتقطع وبدموع الحزن التي أبت أن تفارق وجنتيها “ما أقسى تلك اللحظات حين تصارع البقاء وأنت أضعف المخلوقات والجاني يرسل آخر ما يملك من أسلحة متباهياً أمام الجميع بقوتها التدميرية.. آه لله وحده المشتكى”.
نداءات إغاثة وسيارات إسعاف سارعت لأماكن الاستهداف ومع قلة الإمكانات المتوفرة وكثرة المجازر تثقل المهام ويصعب تأدية الواجب المفروض بمرارة.
مجازر تعد الأعنف والأقوى وأكثر من 14 شهيدا من بينهم ثمانية أطفال وامرأة نتيجة الاستهداف بصواريخ حربية وبالستية، عداك عن عشرات الجرحى وعائلات بأكملها عالقة تحت الأنقاض تنتظر أن تمّد لها يد العون لتنتشل من تحت الركام.
أما عن المشافي التي غصت بالجرحى وعلت فيها أنات المصابين، شكت مصابها وعجز كادرها إلى الله وحده: حيث نادت للإغاثة والتبرع بالدم وبمختلف الزمر؛ لإنقاذ الأطفال وذويهم من شبح موت يخيم فوق رؤوسهم.
كما جرت العادة بعد مجازر الليل يخيم صباح الحزن على المدينة ويشيع أبناؤها الناجين شهداءها ببكاء الأهل ودعوات ترفع عالياً لتصل عنان السماء (الرحمة لمن مات ظلماً والصبر من جديد لمن بقي يعاني الظلم).
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد