ربما ليلة الأمس كانت الأكثر هدوءاً على الأهالي في حلب منذ الخامس عشر من الشهر الماضي، مع توقف إطلاق النار وفق الاتفاقية التي تقضي بخروج الأهالي والمقاتلين من الأحياء التي لا يزالون فيها محاصرين، حيث حدد ساعة خروج الدفعة الأولى في الخامسة صباحاً ويكون العدد الأولي 500 مدني باتجاه إلى ريف حلب الغربي.
جاءت تلك الليلة بعد أن تنفس الأهالي في حلب الصعداء بعد القصف والغارات الجوية التي كانت مستمرة دون توقف أذاقتهم الآلام التي لن ولم تغيب عن ذاكرتهم مهما تتالت الأيام.. وبالرغم من أن الولايات المتحدة لم تنجح في جهودها لتحقيق وقف إطلاق النار مع بسط النظام والروس سلطتهم على الأرض وعزمهم على استمرار سياسة الأرض المحروقة، مما أذاق المدنيين في حلب مختلف ألوان الألم والمعاناة، إلا أن صوت الآباء وهم يفقدون أطفالهم هو لغة عالمية يفهمها كل من يشترك بالصفة العامة التي تجمعنا والآخرين (البشرية)، وأوشك الوضع فيها للوصول إلى مرحلة “فات الأوان”.
قوات النظام لم تتوانَ عن أساليب القتل فكان آخرها مداهمة البيوت وقتل من فيها، حيث أعلنت منظمة في الأمم المتحدة “اليونسيف” عن عمليات انتقام وإعدامات ميدانية، مشيرة إلى تلقيها تقارير عن إعدام القوات الموالية للنظام 82 مدنياً بينهم 11 امرأة و13 طفلا في أربعة أحياء (الفردوس وبستان القصر والكلاسة والصالحين).
هؤلاء المدنيون الأبرياء ممن لا حول لهم ولا قوة فروا من الجحيم خطواتهم ترسم تاريخ معاناة طويلة تحت القصف والحصار الخانق، أمام أعين العالم يغادرون بيوتهم التي دمرها القصف ويتوجهون نحو من قصفها ودمرها حيث لا خيار آخر، بل إنهم يرغمون أحياناً على شكر من أشبعهم قصفاً وقتلاً والذي تحول فجأة إلى منقذ لهم، لكن المعاناة تنتهي بهذا الرحيل المرّ.
وفي ظل هذا الوضع المأساوي بدأ النظام يحتفل بتدمير حلب ناسياً أن حلب حضارة وعراقة وأكبر بنات سورية الأم بعد دمشق وفي تدميرها سقطت الإنسانية وترتسم وصمة عار للتاريخ القادم، تضاف لصفحات نظام سوداء فمن قبلها دمر الأسد الأب مدينة أبي الفداء “حماة” واليوم الابن يسير على خطى الظلم التي رسمها له الأب ويدمر “حلب مدينة الشهباء”
أما مدينة إدلب التي كانت بمثابة الجارة التي تشارك حلب في السراء والضراء كشف لنا فيها أبو علاء (55 عاماً) عن حزنه الشديد وأبدى استعداده مع عائلته لتقديم ما يلزم للمدنيين القادمين من حلب بالحافلات الخضراء كما قدم الأهل من الغوطة قائلاً “سنساعد إخواننا المستضعفين ونكون لهم البلسم المعالج من آلام مريرة فكل البيوت في مدينتي كبيتي.. فنسأل الله أن يكون باستطاعتهم مستقبلاً العودة وبناء حلب بهمة من بقي”.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد