في 30 ايلول، بدأت الطائرات الروسية بقصف أهداف تابعة للثوار والدولة الإسلامية في سورية، معلنة مرحلة جديدة في الحرب السورية الأهلية الطويلة والدامية. وقد ترافقت تلك الغارات الروسية مع تجميع القوات البرية المؤيدة للنظام السوري من أجل تجديد الهجوم لقلب الموازيين، بعد المكاسب التي حصل عليه الثوار في شمال غرب سورية.
إن مشاركة الغارات الجوية الروسية، جنباً إلى جنب، مع الهجوم البري، الذي قامت به كل من القوات السورية والإيرانية والعراقية واللبنانية الشيعية، قد أزال أي تهديد حالي لجيب النظام في المنطقة الساحلية الغربية من سورية. وعلى الرغم من تلك التطورات الأخيرة فإنه من غير الواضح بأننا نقترب من نهاية الحرب. بالأحرى، فإن الصراعات المتشابكة التي تشكل الحرب السورية، تظهر بعيدة عن الحل. ومع وجود حركة على الأرض إلا أنه لا وجود لأي اقتراح لحل نهائي (رصاصة الرحمة)، أو في الواقع لا وجود لعملية سياسية يمكن أن تجلب الصراع إلى نهايته.
يجب أن نتذكر أن الحرب الأهلية السورية، ليست حرباً واحدة. وإنما هناك لا يقل عن خمس حروب منفصلة ولكنها متشابكة تحدث على التراب السوري. وتلك الحروب هي: الحرب الأصلية بين النظام السوري والثوار العرب السنة الثائرين ضده، والحرب بين وحدات حماية الشعب الكردي YPG، ومنظمة الدولة الإسلامية، والحرب بين الثوار والدولة الإسلامية في شمال وجنوب البلاد، والصدامات بين الدولة الإسلامية والنظام السوري في محافظتي حمص وحلب، وأخيراً الهجمات التركية ضد وحدات حماية الشعب الكردي YPG، والتي حدثت مأخراً في مدينة تل أبيض، بسبب ارتباط هذه المنظمة مع حزب العمال الكردستاني PKK.
إن التدخل الروسي له علاقة مباشرة مع أحد تلك الصراعات فقط، وهو الصراع بين النظام والتمرد السني ضده.
إن الهجوم من قبل النظام السوري والقوات الروسية والإيرانية ضد الثوار يُحدث بعض التقدم في ريف حلب الجنوبي. بينما قصف النظام السوري والروسي في منطقة سهل الغاب هو لمنع اي تقدم متزايد مهم للثوار، حيث أن القوات المؤيدة للنظام تسعى لتطويق مدينة حلب وبنهاية المطاف كي تصل إلى القريتين الشيعيتين شمال غرب مدينة حلب وهما نبل والزهراء.
وإذا ما أُحكم الحصار على حلب؛ فإن هذا سيكون له أهمية بالغة، لأن ذلك سيؤدي إلى حرمان الثوار من طريق إمدادهم عبر الحدود السورية التركية. وتُعد حلب ثاني أكبر المدن السوري، ويتصارع النظام والمعارضة من أجل السيطرة عليها منذ صيف عام 2012.
لقد جاء التدخل الروسي استجابة طارئة في وجه تقدم الثوار في شمال غرب سورية في الأشهر الماضية. فقد حقق جيش الفتح، وهو تحالف ثائر جديد، أُعلن عنه في آذار 2015، مكاسب هامة خلال الأشهر التي سبقت التدخل الروسي. وتلك الكتلة الجديدة قد احتوت جنباً إلى جنب على عدد من القوات المسلحة الثائرة الأكثر نفوذاً في شمال سورية، تضم جبهة النصرة، الوكيل الحصري لتنظيم القاعدة في سورية، وحركة أحرار الشام السلفية.
وفي ربيع هذا العام، استطاعت تلك القوات من السيطرة على مدينة إدلب، وكذلك مدينة جسر الشغور الإستراتيجية. وهذا التطور قد ترك الباب مفتوحاً أمام اندفاع الثوار باتجاه محافظة اللاذقية التي يسيطر
عليها النظام في الساحل الغربي. وتحتوي اللاذقية على مستودع بحري روسي في طرطوس، وهو المنشأة البحرية الروسية الوحيدة التابعة للاتحاد السوفيتي السابق في الخارج.
وهذا التطور يمكن أن يُفهم على أنه كارثة محتملة لكل من نظام الأسد وأسياده الروس. وما جاء التدخل الروسي، أولاً وقبل كل شي، إلا لمنع ذلك من الحدوث. فهذا واضح رغم الإدعاء الروسي الأجوف بأن تدخلهم كان بقصد مساعدة النظام في حربه ضد الدولة الإسلامية.
وهذا الشيء يؤكده نمط القصف الروسي في سورية، حيث أن معظم تلك الغارات ليست موجهة ضد داعش؛ بل خلاف ذلك، هي موجهة ضد أهداف تابعة للثوار في المناطق المحاذية للمناطق غير المحصنة، الخاضعة لسيطرة النظام السوري. بينما ادعى الناطق الرسمي الروسي، ومنذ بداية حملة القصف في 30 أيلول، بأن موسكو كانت تستهدف مواقع داعش؛ إضافة إلى المواقع الخاضعة للثوار. والحقيقة التي يمكن ملاحظتها أن الجزء الأعظم من تلك الهجمات قد استهدف محافظات: إدلب وحماه واللاذقية وحمص. وتلك المناطق تحاذي مباشرة جيوب النظام الغربية غير الحصينة. ولا وجود يذكر لداعش في تلك المناطق. إذا إنه ليبدو جلياً ما هي أهداف الهجوم الروسي.
بينما تستطيع موسكو إنقاذ عميلها من الهلاك العاجل، إلا أنها لا تستطيع حل المعضلة الإستراتيجية الرئيسية التي تواجه النظام. فمنذ بداية الحرب، كانت مشكلة الأسد تتمثل في عدم وفرة العدد الكافي من الرجال المستعدين للمشاركة في القتال نيابة عنه. وهذا يستند إلى الأساس الطائفي الضيق للنظام. فتبلغ نسبة علويو الأسد ما مقداره 12% من تعداد سكان سورية، مقارنة مع حوالي 60% من العرب السنة الذين يشكلون نواة التمرد ضده. فغياب القوة البشرية هو السبب وراء الانسحابات من مساحات واسعة من الأراضي التي كان يجريها النظام من المناطق الخاضعة لسيطرته على مر السنوات الثلاث الماضية. ولقد سعى النظام إلى تقليص المنطقة الواقعة تحت سيطرته حتى يتمكن من حكمها على نحو فعال.
ولكن ما يعنيه هذا؟! هذا يعني أن المساندة الجوية الروسية يمكن أن تكون محدودة التأثير، أي فقط حماية منطقة النظام. فالأسد لا يستطيع تحمل تبعات التقدم بعيداً عن منطقة سيطرته الحالية، لأن كسب مناطق جديدة ليحكمها سوف تجدد المعضلة الرئيسية، وهي الافتقار إلى القوة البشرية، التي أدت إلى أن الانسحاب كان ضرورياً في المقام الأول.
وبطبيعة الحال، فإن الإيرانيون يزودون القوة البشرية لمناطق هجوم النظام الحالية. إلا أن طهران إذا لم يكن لديها تصور عن وضع المناطق السنية في شمال سورية تحت احتلال دائم كيف سيكون، فإن هذا الحل سوف يبقى حلاً مؤقتاً فقط.
لقد رافق التدخل الروسي، تحركات دبلوماسية من قِبل موسكو، بقول وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بعد زيارة مفاجئة قام بها الأسد إلى موسكو، إن روسيا تدعم الاستعدادات لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في سورية، وحتى أنه على استعداد لتقديم الإسناد الجوي للثوار في حربهم ضد الدولة الإسلامية.
وبالنظر إلى أن موسكو تتطلع إلى دور مستمر للأسد خلال هذه العملية السياسية المتوقعة، فإنه من غير المحتمل، على كل حال، إجراء صفقات كثيرة لشراء الثوار، الذين قاتلوا لأربع سنوات لإسقاط دكتاتوريته.
إن التدخل الروسي في سورية، وهو بلا شك مهم للغاية، إلا أنه لا يبدو بأنه سيعلب دور “مغير اللعبة” في الحرب السورية، الذي ينذر بوضع نهاية لهذه الحرب. بدلاً من ذلك فإن روسيا قد اتخذت قراراً بمضاعفة دعمها لنظام الأسد في الوقت الذي كان يعاني فيه من صوبة بالغة.
إن التدخل الروسي ليس من النوع أو الحجم الذي يمكن الأسد من تحقيق النصر. كما أنها لن تؤثر بشكل كبير على أنظمة الصراع الأخرى التي تجري حالياً على رقعة الأرض التي كانت تدعى سورية يوماً ما.
صحف اسرائيلية
ترجمة محمد المحمد
الكاتب: الدكتور جوناثان سباير، وهو باحث كبير في قسم البحوث العالمية في مركز الشؤون الدولية.