تابع المستخدمون حول العالم فصول دراما جديدة خلال أيام العيد الماضية كان بطلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وخصمه تطبيق مقاطع الفيديو “تيك توك” (Tik Tok) وضيف الشرف فيها شركة “مايكروسوفت” (Microsoft).
وتتلخص قصة الفيلم الجديد في محاولة البطل وهو رئيس أقوى دولة في العالم بلعب دور وسيط تجاري لإخضاع خصمه الصيني متمثلا بتطبيق “تيك توك” للتنازل وإجباره على بيع مصدر قوته لمنافس، يقوم البطل باقتراحه وهي شركة مايكروسوفت الأميركية والتي يضمن البطل ولاءها.
المثير في الفيلم أن نهايته مفتوحة على جميع الاحتمالات ولا يمكن توقعها، فهل سينجح ترامب في إجبار واخضاع تيك توك الصيني لسلطته والفوز بالصفقة أو أن الخصم الصيني سيتغلب في النهاية ويظهر لنا أنه هو البطل، وما دور مايكروسوفت في هذه الأحداث، وهل مع تقدم أحداث الفيلم سيظهر لاعبون جدد، وما نقطة التحول الكبير في الفيلم؟
الفصل الأول: العداء بين أميركا والصين سياسي
تظهر البدايات كيف يقاتل ترامب بشراسة لمنع النفوذ الصيني “الشرير” على العالم، فيقوم في أجزاء سابقة بمناكفة الصين عبر وضع شقيق تيك توك شركة هواوي (Huawei) في قائمة الحظر ومحاولة منعها من بيع تقنيات الجيل الخامس لحلفائه حول العالم بحجة تهديدها للأمن القومي.
الفصل الثاني: تهديد الأمن.. مشهد مكرر في كل أفلام ترامب
ويلعب ترامب على وتر الأمن وهو مشهد مكرر في معظم أفلامه، حيث يبدأ المشهد بقول مسؤولين حكوميين في إدارته إنهم قلقون من أن الحكومة الصينية قد تجبر “تيك توك” على تسليم المعلومات التي يجمعها عن الأميركيين واستخدام التطبيق لنشر وجهة نظر صديقة للصين إلى العالم.
وقد ظهر وزير خارجية أميركا مايك بومبيو ليعلن قبل شهرين أن تيك توك يمثل خطرا على الأمن القومي، وتصاعدت وتيرة الأحداث بعد أن قامت إدارة ترامب بحملة تسويقية على فيسبوك تدعو فيها الأميركيين للتصويت لحظر التطبيق بسبب التجسس وتهديد الأمن القومي.
الفصل الثالث: ترامب التاجر ودور مايكروسوفت
وبينما ينتظر العالم الجزء الذي يقوم فيه ترامب بإصدار قرار بحظر تيك توك في الولايات المتحدة استجابة لطلبات الجمهور، تتصاعد الأحداث خلال الأيام الأخيرة وتحديدا منذ الجمعة الماضي عندما قال الرئيس الأميركي إنه سيطلب من شركة “بايت دانس” (ByteDance) الصينية مالكة تطبيق تيك توك ببيع عمليات التطبيق في الولايات المتحدة لشركة أميركية، لتظهر مايكروسوفت في الصورة كمشتر محتمل للتطبيق الصيني.
وتتوالى الإثارة والتشويق بين الشد والجذب في تصريحات ترامب، فبعد أن أعلن أنه يجب بيع التطبيق الصيني إذا أراد تجنب الحظر عاد وأكد أن إدارته لا تقوم بصفقات تجارية بين الشركات وأن قرار حظر التطبيق قرار سياسي وأمني، ليعود لاحقا ويتراجع مرة أخرى عن قرار الحظر ويعطي مهلة لتيك توك لإنهاء صفقة البيع لمايكروسوفت خلال 45 يوما.
وتقول الأنباء إن سبب تراجع ترامب عن قرار الحظر هو مكالمة هاتفية بينه وبين الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا الذي أقنع الرئيس بضرورة العمل على الصفقة والتي يمكن أن تكون مهمة من الناحية الاقتصادية، خصوصا بعد تصريح ترامب عن ضرورة دفع مبلغ من صفقة البيع لوزارة الخزانة الأميركية.
الفصل الرابع: الكفيل التقني.. أسلوب أميركي للسيطرة على التكنولوجيا
يعد مايكروسوفت اختيارا مناسبا وغريبا في آن واحد، فالمالك الجديد لتيك توك يجب أن يكون مقبولا من إدارة ترامب، وقد بقيت مايكروسوفت في غالب قراراتها إلى جانب حكومة ترامب عندما تخلى عنها عمالقة التقنية الآخرون.
كما أن لديها الأموال الكافية لشراء تيك توك وهي ليست لاعبا قويا كفيسبوك وغوغل في مجال شبكات التواصل الاجتماعي بحيث تدخل دائرة الاحتكار التي تسعى إدارة ترامب إلى تفكيكها.
وتثير هذه الصفقة في حالة نجاحها تساؤلا مهما، وهو ماذا سيحدث لشركات التكنولوجيا الصينية الأخرى في الولايات المتحدة، هل ستحتاج لوجود “كفيل تقني” أميركي لضمان أعمالها في الولايات المتحدة؟
ألمح وزير الخارجية مايك بومبيو في مقابلة نهاية الأسبوع إلى أن الإدارة تبحث في وضع شركات برمجيات صينية أخرى قال إنها تقدم البيانات للحكومة الصينية.
ولم يذكر بالتحديد أنواع التكنولوجيا الصينية التي تسعى إدارته لمنعها، ولكن على سبيل المثال، تعد لينوفو (Lenovo) واحدة من أكبر بائعي أجهزة الحاسوب المحمول في البلاد، وتمتلك شركة موتورولا (Motorola) لتصنيع الهواتف المحمولة.
كما أعرب مسؤولون أميركيون في السابق عن مخاوفهم بشأن شركة “دي جي آي” (DJI) الصينية للطائرات المسيرة، مما يجعل طائرات مافيك (Mavic) المسيرة هدفا مشروعا للإدارة الحالية.
إذا استمرت التوترات بين الولايات المتحدة والصين في التصاعد، فقد تجد جميع شركات التكنولوجيا الموجودة في الصين صعوبة بالعمل في الولايات المتحدة ما لم تجد كفيلا أميركيا يقوم بضمان عملياتها على الأراضي الأميركية.
الفصل الخامس: حادثة تولسا.. هل تفك أحجية الفصل الأخير في الفيلم؟
ما بين السياسي والأمني والاقتصادي والتقني، تتأرجح التحليلات حول دوافع ترامب للهجوم الكاسح الذي يشنه على تطبيق خاص بالفيديوهات والذي يتكون أغلب مستخدميه من المراهقين، غير أن هناك حادثتين قد تمكنان الجمهور من توقع الدافع الحقيقي لترامب.
الحادثة الأولى هو ما نشرته رويترز من تقارير عن مستشارين لترامب حول السبب الحقيقي لتراجع ترامب مؤخرا عن حظر التطبيق بعد رفضه الصفقة مع مايكروسوفت، مؤكدة أن سبب التراجع هو خوفه من أن يؤدي هذا القرار لخسارة شريحة واسعة من الناخبين الصغار الذين يعارضون منع التطبيق المفضل لديهم، مما سيضعف موقفه الانتخابي خلال الشهرين المقبلين.
هذه الحادثة تقودنا لحادثة أخرى تناولها موقع فوربس في تقرير له تحت عنوان “هل هذا السبب الحقيقي لرغبة ترامب في حظر تيك توك؟” والذي نشر نظرية يتم تداولها بين مستخدمي تيك توك منذ إعلان الحظر لأول مرة قبل بضعة أسابيع.
وتقول النظرية إن الحظر لا يتعلق بالأمن القومي أو الاقتصاد والتكنولوجيا ولا حتى السياسة الخارجية بل له علاقة بالتجمع الانتخابي لترامب في تولسا وأوكلاهوما، في يونيو/حزيران الماضي.
حيث مثلت الحادثة فشلا ذريعا لتجمع ترامب الانتخابي بعد أن كان من المقرر حضور ما يقرب من 20 ألف شخص بعد أشهر من الإغلاق بسبب فيروس كورونا.
وقد دمر تطبيق تيك توك والشباب الآخرون عبر الإنترنت التجمع عندما نسقوا حملة لتسجيل الحصول على تذاكر الحدث ولم يحضروا.
ويقول تقرير فوربس “إنها نظرية. وبالتأكيد لا أحد غير ترامب وربما بعض سكان البيت الأبيض الآخرين يفهمون دوافع الرئيس الحقيقية للحظر. ولكنه كافتراضٍ منطقيٌّ والتوقيت يعزز هذا الافتراض”.
وكان ترامب قد أعلن في يونيو/حزيران الماضي عن رغبته بتنظيم مؤتمر في تولسا في 19 يونيو/حزيران، وتشكلت بسرعة حملة على تيك توك وتويتر قبل أسبوع من المؤتمر، كان هدفها إغراق موقع حملة ترامب بحجوزات لتذاكر حضور المؤتمر بأسماء وأرقام هواتف ورسائل بريد إلكتروني مزيفة، ثم لم يحضروا الحدث.
من الناحية النظرية، ستعطي هذه الخطوة حملة ترامب آمالًا كاذبة بتوافد حشد كبير ويجعلهم يبدون أغبياء عندما لا يحضر إلا عدد قليل.
وقالت حملة ترامب قبل 20 يونيو/حزيران بقليل إن لديها ما يقرب من مليون شخص مسجل للحضور، ولكن عندما جاءت الليلة الكبيرة، كانت القاعة في تولسا شبه فارغة، حيث أظهر البث المتلفز أن ترامب على منصة تحيط بها مساحات كبيرة من المقاعد الزرقاء الفارغة.
ونجحت الحملة على الإنترنت ضده، على الرغم من أنها ليست السبب الوحيد لانخفاض الحضور، إذ من المؤكد أن الوباء أبقى الناس في منازلهم.
بعد حوالي أسبوعين من الحادثة، كان وزير الخارجية مايك بومبيو أول مسؤول مقرب من ترامب يتحدث علنا عن حظر محتمل على تيك توك، وكان هذا بمثابة تصعيد مثير في موقف الحكومة الفدرالية من التطبيق.
وهكذا وفي غضون أسابيع، تحول موضوع تطبيق تيك توك إلى الشغل الشاغل لعدد قليل من أعضاء مجلس الشيوخ المحافظين الذين طلبوا من البيت الأبيض تحديد التطبيق على أنه موضوع أمن قومي كبير يتطلب عملا سريعا.
النهاية: هل يخاف ترامب من التكنولوجيا التي أوصلته للبيت الأبيض؟
يعد التدخل المزعوم لروسيا في الانتخابات الأميركية السابقة لصالح ترامب كابوسا يلاحق الأميركيين وشركات التواصل الاجتماعي التي كانت الأداة التي استخدمت في هذا التلاعب، ولكن سباق الانتخابات الحالية قد يكشف الغطاء عن كابوس قادم من الشرق على شكل وسيلة تواصل اجتماعي صينية انتشرت بين أيدي الناخبين الأميركيين يمكنها الإطاحة برئيس أميركا الحالي والمرشح المقبل.
وعلى قدر ما يمثل هذا التوقع كابوسا لترامب وفريقه إلا أنه حلم العديد، ليس من أعدائه السياسيين داخليا وخارجيا فقط بل وحتى من قبل شريحة كبيرة من الأميركيين والذين سيقبلون بهذا السيناريو حتى لو كان بأيادي صينية.
فهل يقع ترامب في الحفرة التي استخدمها سابقا لمنافسته هيلاري كلينتون؟ هذا ما سوف نشاهده في الحلقة المقبلة.
نقلا عن الجزيرة