نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تحقيقاً تناول إهمال وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي آي” للمعلومات التي زودها بها “الجيش السوري الحر” عن المتشددين، ما أدّى بالنتيجة إلى سيطرة هؤلاء على نحو نصف الأراضي السورية.
ذكرت صحيفة “لوموند” أن القصة تشبه سطواً مسلحاً أسفر عن نتائج مأساوية وتداعيات دولية خطيرة. وهي قصة بضعة رجال من ذوي النوايا الحسنة الذي حاولوا منع حصول الكارثة. هي قصة أخذ الثورة السورية رهينة بيد تنظيمين متشددين، “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” على حساب المعارضة المسلحة المعتدلة ضد نظام بشار الأسد، والتي تخلت عنها واشنطن على الرغم من كل المعلومات التي قدمتها للاستخبارات الأميركية.
“لوموند” تابعت التحقيق عبر تسجيل شهادة شخص، الجاسوس رقم واحد في “الجيش السوري الحر” ولقبه “م”. وخلال سنتين، أوصل هذا الشخص إلى الـ”سي آي آي” تقارير مفصلة بواسطة شبكة مخبريه، تشمل خرائط وصور وإحداثيات وأرقام هواتف.
الصحيفة اطلعت على بعض هذه المعلومات، التي تضم فيما تضم مواقع مكاتب ونقاط تفتيش المتشددين في الرقة، ومقر قيادتهم في سوريا. وقال “م”: “هؤلاء الغرباء جاؤوا لسرقة بلادنا وحقوقنا وأرضنا”، وهو يرى فيهم خطراً مميتاً يهدد سوريا.
“م” يشرح أيضاً، أنه منذ كان “داعش” يعد 20 عضواً ولغاية ما أصبح يضم 20 ألفاً، “أعطينا الأميركيين كل المعلومات”، موضحاً أنه عندما كان يسألهم ماذا يفعلون بهذه المعلومات، كانت الإجابة أن الموضوع بيد صناع القرار.
جنّد “م” نحو ثلاثين رجلاً يثق بهم، تغلغلوا في المدن التي كانت تتساقط بيد “داعش”: جرابلس، الباب، تل أبيض، منبج، الرقة. ولتأمين تمويل شبكته، طلب من الأميركيين 30 ألف دولار شهرياً، ولم يحصل سوى على 10 ألاف.
ولا يكتفي مخبرو “الجيش السوري الحر” بالتنصت على المتشددين، بل يجرون أحياناً مسحاً ميدانياً خطراً، وقد أظهر “م” للصحيفة الفرنسية صورة مأخوذة عن بعد لمعسكر تدريب شمال محافظة اللاذقية، يرتاده متشددون أجانب. وهو يؤكد أنه أرسل هذه المعلومات إلى الغربيين مع إحداثيات الموقع ولم يتلق أي جواب، كما يشير إلى نجاح عملائه في الحصول على أرقام هواتف مسؤولين من “داعش” وأرقام أجهزتهم للبث عبر الأقمار الإصطناعية، وحتى عناوين حساباتهم الإلكترونية، وكالعادة لا جواب من جهة الأميركيين.
“لوموند” كشفت أيضاً عن مخطط سري جرى وضعه في صيف 2014 بالإتفاق مع واشنطن، يهدف إلى طرد “داعش” من محافظة حلب. وبعد تأجيله مرات عدة بناء على رغبة الأميركيين، تم إحباط العملية بعد هجوم مفاجىء لـ”جبهة النصرة” ضد كتيبة “الجيش السوري الحر” التي كان من المفترض أن تنفذه.
من جانبه، يقول ديبلوماسي غربي إنه “فاتنا خلال 2013 مناسبتان حيويتان. الأولى الهجوم الكيميائي ضد ضاحية دمشق يوم 21 اغسطس/آب والذي بقي من دون رد ما قوّى عزيمة النظام، والثانية تقوية اللاعب الذي كان بوسعه محاربة داعش، والجيش السوري الحر كان هذا اللاعب الذي أهمله الغرب“.
مركز الشرق العربي