نشرت صحيفة لموند الفرنسية تقريرا حول الصعوبات التي تواجهها أوروبا في اتخاذ موقف موحد للتعامل مع أزمة الهجرة السرية في البحر الأبيض المتوسط، وقالت إن الخيارات المطروحة أمام الدول الأوروبية محدودة، وما زاد من تعقيد المسألة هو عجز هذه الدول عن توحيد مواقفها والقيام بتحرك مشترك.
وقالت الصحيفة، إنه بعد اجتماع الزعماء الأوروبيين في مدينة بروكسل يوم الخميس الماضي، بهدف الخروج بخطة مشتركة للتعامل مع المأساة التي حدثت في الفترة الأخيرة في البحر الأبيض المتوسط، أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد تسك أن النتيجة الرئيسية لهذا الاجتماع هي قرار الذهاب لتدمير قوارب تهريب البشر في ليبيا.
ولكن في المقابل، أشارت الصحيفة إلى أن جون كلود يانكر، رئيس المفوضية الأوروبية، أعلن عن رغبته في التوصل “لحل أفضل”، وهو ما اعتبرته “لوموند” مؤشرا على غياب التوافق بين الأوروبيين.
ورأت الصحيفة أن هذا الاجتماع لم يسفر عن حلول طويلة المدى لمسألة الهجرة، ولكنه على الأقل أسفر عن نتيجة ملموسة، وهي تعزيز العملية “ترينتون” التي تقوم بها حاليا الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود “Frontex”. فقد تعهدت عدة بلدان، على غرار فرنسا وألمانيا وبلجيكا ولتوانيا، بتوفير معدات إضافية، حيث أعلن فرنسوا هولاند أن باريس سترسل سفينة مراقبة وسفينة إنقاذ وطائرات استطلاع، كما ستضاعف عدد خبرائها المشاركين في العملية.
وأضافت الصحيفة أن بريطانيا، التي لا تشارك في العملية ترينتون، تعهدت بتوفير سفينتي مراقبة وثلاث طائرات عمودية مزودة برادارات متطورة، كما سترسل نحو البحر الأبيض المتوسط إحدى أهم قطع البحرية الملكية: السفينة HMS-Bulwark. ولكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حذر مسبقا من أن هذه السفن، وفي حال انتشالها لمهاجرين في عرض البحر، ستقوم بتسليمهم لأقرب بلد، وهو ما يعني أنه سيتم تسليم أغلبهم لإيطاليا وبقية “دول الواجهة”.
وكشفت الصحيفة أن كاميرون صارح نظراءه الأوروبيين بأنه لا يريد فتح الباب أمام المهاجرين مع اقتراب موعد الانتخابات، كما نقلت عن ماتيو رنزي، رئيس الحكومة الإيطالية، قبوله المبدئي بهذا الشرط البريطاني الذي سبب بعض التوتر في الاجتماع، فالزعماء الأوروبيون يدركون أنهم بعد حادثة غرق قارب محمل بالمهاجرين السريين واختفاء 850 شخصا، مطالبون بمراعاة الجانب الإنساني من المسألة دون إهمال التحديات الأمنية.
ورأت الصحيفة أن هذا هو المنطق الذي دفع بالشركاء الأوروبيين إلى التوجه نحو دعم العملية “ترينتون” التي سترتفع الميزانية السنوية المخصصة لها من 2.9 مليار إلى 9 مليار يورو، وهو مبلغ يعادل المبلغ الذي كانت إيطاليا تنفقه بمفردها في العملية “ماري نستروم”، التي تم إيقافها في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، لأن الكثيرين رأوا أنها تسهل عمل عصابات تنظيم الهجرة السرية وتشجع المقدمين على هذه المخاطرة، من خلال حدّها من خطورة الهجرة وإنقاذها للآلاف من المهاجرين حتى قبل اقترابهم من المياه الأوروبية.
وأوضحت الصحيفة أن هذا الرأي يصعب الدفاع عنه من الناحية الأخلاقية، كما أنه مردود عليه بالأرقام والإحصائيات، حيث إنه منذ انتهاء العملية “ماري نستروم” وتعويضها بالعملية “ترينتون”، سجلت الجهات الرسمية زيادة بنسبة 160 بالمائة في عدد محاولات عبور المتوسط.
وقالت الصحيفة إنه على أثر التحفظ الذي عبرت عنه عدة دول في اجتماع يوم الخميس، لن يتم إدخال تغييرات على العملية ترينتون وعلى نطاق عملها الذي يمتد حسب الوثائق الرسمية على بعد 55 كيلومترا من السواحل الأوروبية، في وقت تؤكد فيه المفوضية الأوروبية أن عمليات البحث والإنقاذ يمكن أن تمتد إلى مناطق أخرى وحتى إلى المياه الدولية.
وأضافت أن الغموض الذي يكتنف هذه العمليات المنتظرة أثار قلق العديد من الجمعيات الحقوقية، على غرار منظمة العفو الدولية التي عبرت رئيستها جينيفيير غاريغوس عن عدم رضاها عن الجهود الأوروبية، حيث صرحت بأن “قادة الاتحاد الأوروبي قاموا بنصف العمل فقط إلى حد الآن”.
كما أشارت الصحيفة إلى المقترح الآخر الذي تقدمت به المفوضية الأوروبية، حول احتجاز وتدمير القوارب التي تستعملها عصابات تنظيم الهجرة، وقالت إنه يثير العديد من الشكوك والمخاوف، لأن هذه الفكرة تتعارض مع القانون الدولي، وهو ما دفع بالأوروبيين للسعي للحصول على دعم مجلس الأمن الدولي في هذا الشأن.
ونقلت عن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تصريحه بأنه سيثير هذه المسألة لدى لقائه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته لأرمينيا، كما أكد هولاند أنه “يستطيع إقناع بوتين بعدم رفع الفيتو في وجه أي مقترح بالتدخل العسكري في ليبيا، بشرط أن تكون العملية واضحة المعالم والأهداف والوسائل”.
ورأت الصحيفة أن الحصول على قرار أممي بهذا الشأن سيتطلب الكثير من الوقت، كما أن مبعوثة الدبلوماسية الأوروبية، فيديريكا موغيريني، مطالبة بتقديم العديد من التوضيحات والتطمينات والإجابة حول الأسئلة المتعلقة بجدوى هذا التدخل.
وقالت الصحيفة إن الرئيس الفرنسي لم يحدد بشكل واضح الخيار الذي سيتمسك به، وسط أنباء عن إمكانية القيام بعملية أمنية تهدف إلى جمع المعلومات حول تنظيم وطرق عمل وتحركات عصابات التهريب الناشطة على الأراضي الليبية.
كما نقلت عن مصدر عسكري فرنسي ترجيحه أن يتم الاعتماد في هذه العملية على طائرات هيلكوبتر، قادرة على توجيه ضربات من على بعد كيلومترين مع هامش خطأ بسيط.
من جهة أخرى، تطرقت الصحيفة إلى مسألة تقاسم الأوروبيين أعباء استقبال المهاجرين، وأشارت إلى ما اعتبرته تراجعا من القادة الأوروبيين عن مشروع القرار الذي تم إعداده قبل انعقاد القمة، والذي ينص على إدخال تعديلات على “اتفاقية دبلن2″؛ التي تجبر الدولة التي يوجد فيها المهاجر على النظر بمفردها في ملفه.
وقالت الصحيفة إن هولاند وعد بالنظر في هذا الأمر، ولكن رئيس الوزراء البريطاني من جهته رفض المصادقة على قانون توزيع المهاجرين على الدول الأروبية بطريقة الكوتا، وشدد على أن استقبال بلاده للمهاجرين لا يمكن أن يتم إلا بطريقة تطوعية.
عربي21