تعاون لوقا مع أحفاد من هجروا أجداده؛ ليهجروا معًا شعبًا احتضن كل مظلوم. مرتزقة لوقا أبقوا شريان النظام إلى حلب مفتوحًا، ولو انقطع هذا الشريان لتغيرت الخريطة. السند الحقيقي للوقا كان وحش المخابرات العسكرية، وقاتل رستم غزالي!
مساء يوم الأحد 12 مايو (أيار) الجاري، ركز النظام عمله في حي الوعر، معلنًا بذلك سيطرته على آخر معاقل الثوار في مدينة حمص، عبر صفقة كان أحد كبار عرابيها صاحب اليد التي تولت رفع راية النظام وسط الوعر.. اللواء حسام لوقا.
صفقة الوعر التي أنجز النظام عبرها ما عجز عنه عسكريًا لنحو 4 سنوات اقتحام الحي، جاءت لتدفع بلوقا مجددًا إلى الواجهة، وهو الضابط الأمني الذي استثمره النظام في حمص أكثر من مرة منذ بدء الثورة، لاسيما في التفاوض على صفقة إخلاء حمص القديمة من الثوار، وهي صفقة أخذت طريقها للتنفيذ – وللمفارقة – في نفس هذا الشهر مايو (أيار) عام 2014.
إذن فقد كان لوقا في بداية مسلسل تفريغ حمص وإعادتها إلى حضن النظام كما في نهاية المسلسل، لم يغب عن لعب دور البطولة، مسديًا لبشار خدمات لا تقدر بثمن، في مدينة يراها أهلها الثائرون عاصمة للثورة، بينما يراها طرف آخر عاصمة مستحقة لكيان علوي ارتسمت خارطته في الأذهان.
فمن هو لوقا؟ وما السر الذي جعل بشار يمنحه كل هذه الثقة، ويعطيه مفاتيح التفاوض والتفويض لتجاوز أكبر عقدة في طريق منشار النظام في مدينة حمص؟
صديق أول من طالب الحمصيون بإسقاطه
يكشف الأرشيف المخابراتي الذي بحوزة زمان الوصل عن الاسم الكامل لعراب صفقة الوعر، وهو حسام انية لوقا (انية لوقا كنية مركبة) بن محمد نوري، وتقول المعلومات المؤكدة: إن لوقا يتحدر من بلدة خناصر في ريف حلب، وينتمي تحديدًا إلى العرق الشركسي، الذي استوطن أبناؤه تلك النواحي منذ بدايات القرن الفائت.
ويقول ضابط مخابراتي منشق خدم مع لوقا وعايشه عن قرب: إن الأخير كان يؤدي عمله في أحد أقسام الشرطة بحلب، وكان وقتها يحمل رتبة مقدم، حين تم اختياره للالتحاق بشعبة الأمن السياسي، وهي الجهاز الأمني التابع لوزارة الداخلية.
ويقول الضابط المنشق في حديث خص به زمان الوصل: إن لوقا خدم تحت إمرة رفيق شحادة في فرع السياسية بدمشق، وهناك توطدت علاقة الرجلين بشكل كبير، وبقي شحادة مصدر الدعم الأكبر للوقا.
شحادة الذي كان مرافقًا شخصيًا لحافظ الأسد، عرف بهمجيته ووحشيته الشديدة التي لم توفر أحدًا تقريبًا، حتى ولو كان بوزن اللواء رستم غزالي، رئيس شعبة الأمن السياسي، ورمز الوصاية المخابراتية الأسدية في لبنان.
فقد أوعز شحادة بضرب غزالي ضربًا مميتًا، قبل أن يلفظ الأخير أنفاسه، ويأمر بشار بإقالة شحادة من رئاسة أشرس جهاز مخابراتي في منظومة القمع الأسدية (المخابرات العسكرية).
ويلفت الضباط المخابراتي المنشق إلى أن علاقة لوقا كانت – وما زالت – وطيدة بـالعميد سهيل حسن، أحد أشهر ضباط المخابرات الجوية وأكثرهم سطوة.
لوقا خدم سنوات طوالًا قبل الثورة وأثناءها بمنصب رئيس فرع الأمن السياسي بحمص، وهذا ما أتاح له – حسب مصدرنا – بناء شبكة علاقات قوية وواسعة، وقد عاد إلى ساحة حمص بقوة أكبر مؤخرًا، بوصفه حامل إرث الأمن السياسي وممثلًا عن إدارة المخابرات العامة (المعروفة شعبيًا باسم أمن الدولة)، حيث يشغل لوقا منصب معاون إدارة المخابرات العامة منذ صيف العام الماضي.
ويلفت مصدرنا إلى أن لوقا معروف بدهائه، كما أنه مشهور بفساده، وقد كان على علاقة متينة بمحافظ حمص الأسبق إياد غزال، وهو الشخص الذي دفعت ممارساته الحمصيين للمناداة بـإسقاطه قبل أي مسؤول آخر في النظام، أيام البدايات الأولى للاحتجاجات السلمية.
أفقرهم فحاربوا في صفه!
يعد لوقا من بين أوائل الضباط الذين أدرجت أسماؤهم على لوائح العقوبات الغربية، ولعل مرد ذلك إلى أن الضابط خدم أكثر سنوات الثورة في حمص بصفة رئيس فرع الأمن السياسي، ونائب لرئيس اللجنة الأمنية، وهما المنصبان اللذان جعلاه على تماس مباشر مع القرارات الميدانية، وضباط جيش النظام، لاسيما في الفرقة الرابعة.
ففي خريف 2015 – مثلًا – اتهم لوقا بالمشاركة في تدبير ما عرف باسم مجزرة العيد في حي الوعر، حيث تم قصف مكان للعب الصغار فقضى 19 شخصًا، منه 14 طفلًا.
وأشارت أصابع الاتهام حينها إلى اللواء لؤي معلا بوصفه المسؤول المباشر عن قصف حي الوعر، حيث كان يترأس اللجنة الأمنية في محافظة حمص، أما نائبه لوقا فهو الشخص الذي تولى تحديد الأهداف الواجب قصفها في ذلك التاريخ.
ولكن أذرع لوقا لا تلتف على حمص فقط، بل تمتد إلى ما هو أبعد وأهم في تقرير مصير حلب ثاني مدن سوريا وعاصمتها الاقتصادية، حيث وضع لوقا ثقله في مسقط رأسه خناصر، مجندًا جيشًا من المرتزقة الذين دافعوا بشراسة عن هذه البلدة الحيوية، وعن شريان الإمداد الرئيس الذي يمر بها.
ففي عام 2012 بات من المحال على النظام أن يسلك الطريق الرئيسة إلى حلب (الأوتستراد)، بعدما سقط جزء مهم من الطريق بيد الثوار، وهنا سارع النظام لسلوك طريق بديلة تمر من خناصر، وهي الطريق التي كفلت لقوات النظام أن تبقي على إمداداتها مستمرة لسنوات، ولو قطع شريان خناصر بشكل كامل، فلربما كان لخريطة السيطرة في محافظة حلب ومدينتها شأن آخر مختلف تماما عما نراه اليوم.
تنتمي خناصر إلى منطقة جبل الحص، وهي واحدة من أفقر مناطق سوريا، إن لم تكن أفقرها على الإطلاق، ولعل هذا الإفقار الذي يتحمل النظام وزره، والذي كان سببًا كافيًا للثورة عليه، غدًا – وللمفارقة الأليمة – المساعد الأكبر للنظام -ممثلًا بـلوقا – على تجنيد أعداد كبرى من شبيحة المنطقة، مستغلًا جهلهم وحاجتهم المادية.
خناصر التي يحارب جزء من مرتزقتها في صف بشار ويساعدونه على مواصلة إجرامه، سبق لأسلاف سكانها اليوم (غالبيتهم شراكس) أن فروا من بطش الروس وإجرامهم في بدايات القرن الماضي، حيث احتضنتهم أرض سوريا، وتوزعوا في أنحاء مختلفة منها.
وتقول مصادر تاريخية: إن الغزو الروسي للقوقاز (أو القفقاس) أسفر عن تهجير نحو 700 ألف شركسي، عبر 3 موجات كبرى، كان آخرها عام 1919 حيث استقر الشراكس المهجرون في هذه الموجة ضمن بلدة خناصر.
وتكشف صفقة الوعر وعلاقتها بـحسام لوقا وانتمائه العرقي عن مفارقة من نوع آخر قاس، ففي صفقة الوعر كان للطرف الروسي حضور واضح ودور مؤثر، وكان على لوقا الشركسي أن يتعاون مع أحفاد من هجروا أجداده ونكلوا بهم، في سبيل تهجير أبناء شعب احتضن كل من فر إليه مظلومًا.
المصدر:ساسة