نشرت صحيفة “لوفيغارو” بالفرنسية تقريرا حول التدخل الإيراني في سوريا، قالت فيه إن نظام بشار الأسد استنفد كل خياراته، ولم يبق له إلا إفساح المجال أمام إيران لإدارة النزاع في سوريا عوضا عنه، خاصة بعد تدهور قدراته في مواجهة المعارضة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إن أربع سنوات من الحرب كانت كفيلة بتحويل الشراكة الإستراتيجية بين النظام السوري وطهران، إلى علاقة تبعية شبه كاملة بين بشار الأسد وحليفه القوي.
وذكرت الصحيفة أنه قبل وقت طويل من التدخل الروسي، كان الدعم العسكري والمالي القادم من إيران هو الملاذ الوحيد، والمساعد الرئيسي للنظام السوري الذي مر بفترة حرجة آنذاك، وبالتالي فإن هذا الدعم قد سمح لبشار وجيشه بالبقاء في غرب البلاد وفي دمشق لمواجهة المعارضة.
ونقلت الصحيفة عن محللين مقربين من المعارضة السورية “أن القرارات التنفيذية يتم اتخاذها غالبا من قبل المستشارين الإيرانيين، الذين أصبحوا يعتبرون الأمراء الحقيقيين لهذه الحرب”.
وأضافت الصحيفة أن الميزانية السورية أصبحت تحت سيطرة إيران، خاصة إثر المساعدة المادية التي قدمتها للنظام السوري، وقد حصل البنك المركزي السوري، رسميا، على قرضين بقيمة مليار دولار من إيران. لكن بحسب ما أفادت به المعارضة السورية، فإن المساعدة المادية القادمة من طهران قد بلغت قيمتها 15 مليار دولار سنة 2014.
وذكرت الصحيفة أن بشار الأسد قد ورث من والده التحالف الإستراتيجي والإقليمي القائم مع نظام الملالي في طهران، منذ أوائل سنوات الثمانينيات. واستندت الروابط بين حافظ الأسد والإيرانيين في ذلك الوقت إلى العداء المشترك تجاه العراق، حيث إن البعثيين السوريين كانوا يكنون مشاعر كره ضد نظرائهم العراقيين. ثم ترسخ هذا التحالف في لبنان، خاصة مع نشأة حزب الله الشيعي سنة 1982 منظمة سياسية وعسكرية شيعية مطيعة لإيران.
وتعود هذه المعادلة بالنفع على جميع مكوناتها؛ فبفضل حزب الله يتمكن النظام السوري من إحكام قبضته في لبنان، ومحاربة إسرائيل بطريقة غير مباشرة. كما أنه بفضل سوريا، يطور حزب الله جهازه العسكري، سعيا منه لأن يصبح أفضل قوة مقاتلة في العالم العربي، أما طهران فتسعى هي الأخرى إلى توسيع نفوذها الإقليمي مع الحفاظ على قدرتها على الوقوف وجها لوجه ضد إسرائيل.
وأضافت الصحيفة أنه منذ أن قدم الأمريكيون هدية إستراتيجية كبيرة للإيرانيين، والتي تمثلت في زرع قوة شيعية في العراق، فإن هذا الامتداد الشيعي من طهران إلى بيروت قد سمح لإيران بتوسيع نفوذها في منطقة البحر الأبيض المتوسط. أما في دمشق، فينظر الإيرانيون إلى الاحتجاجات المناهضة للنظام السوري والتي اندلعت في ربيع 2011، على أنها محاولة لزعزعة استقرار حليفها من قبل أمريكا ودول الخليج.
وأحضر عناصر الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس لمساندة قوات النظام السوري في ما اعتبروه لاحقا حربا ضد الإرهاب. وكان رئيس الوزراء السوري السابق رياض حجاب، قد قال بعد انشقاقه عن النظام في آب/ أغسطس 2012، إن “سوريا محتلة من قبل إيران، وأن الشخص الذي يدير البلاد ليس بشار الأسد وإنما قاسم سليماني”.
وقد برز تورط إيران المتنامي في الحرب التي تحولت إلى صراع إقليمي؛ إثر وفاة الضابط الإيراني والمسؤول السامي في فيلق القدس في لبنان، العميد حسن شاطري، وقد قتل هذا الأخير بعد هجوم استهدف موكبه على الحدود السورية اللبنانية، بعد عودته من مهمة سرية.
وأفادت الصحيفة أنه بعد النكسات المثيرة للقلق التي تعرضت لها قوات النظام السوري، اضطرت إيران إلى لعب ورقتها الرابحة. ففي ربيع 2013، تم الزج بحزب الله اللبناني في معركة القصير، وهي بلدة صغيرة ذات موقع إستراتيجي، تسمح للمعارضة في حمص بالحفاظ على خط الإمدادات مع لبنان. كما التجأ الإيرانيون إلى المليشيات الشيعية العراقية، التي أنشئت أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق، والتي تشارك بدورها في سوريا إلى جانب كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق.
وأكدت الصحيفة أن إرسال هذه الكتائب الشيعية للتصدي للمعارضة السورية السنية، غذى وعمق البعد الديني للحرب السورية، بعد أن أصبح ضريحا كل من السيدة زينب ورقيّة، ابنتا علي بن أبي طالب، وهي مواقع مقدسة للشيعة في ضواحي دمشق، رمزا للحشد الشيعي في حربه ضد “عدوه السني”.
ورغم إصرار إيران على إنقاذ بشار الأسد بأي ثمن كان، تولي أهمية أكبر لبقاء حزب الله اللبناني، الذي يعتبر ورقتها الرابحة ضد إسرائيل، كما تعمل على تشكيل مليشيات شيعية سورية موازية، وذلك لتوسيع أفقها، حيث ستستمر هذه المليشيات في خدمة مصالحها في حال سقوط بشار الأسد وتفكك الدولة السورية.
عربي21