نشرت صحيفة “لوتون” السويسرية تقريرا، تحدثت فيه عن القيادي الشيشاني، رمضان قديروف، الموالي للكرملين، الذي وقف في وجه فلاديمير بوتين، ونصب نفسه مدافعا عن المسلمين المضطهدين، أمام صمت القيصر، واستهانته بمعاناتهم.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إن الزعيم الشيشاني لم يتردد، في نهاية الأسبوع الماضي، عن التنديد بالسياسة الخارجية التي يتوخاها الرئيس الروسي، وصمته تجاه اضطهاد الأقلية المسلمة في بورما.
وأفادت الصحيفة بأن هذا الزعيم نشر مؤخرا شريط فيديو على موقع إنستغرام، صرح فيه بأنه سيقف في وجه روسيا، على خلفية دعمها لمرتكبي هذه الجرائم. والجدير بالذكر أن قديروف سبق دعوته إلى إنشاء “ممر”؛ لتمكينه من إرسال رجاله للدفاع عن الروهينغا، وثنائه على جهود الرئيس التركي أردوغان، الذي يصنف من أعداء روسيا.
وأشارت الصحيفة إلى أنها المرة الأولى التي يعارض فيها هذا الزعيم الكرملين، علما بأنه يعدّ من الجنود المشاة التابعين لبوتين، والمعروف بولائه الكامل له. والمثير للاهتمام أن هذا الموقف الذي أعرب عنه قديروف فيه تحد صارخ للسياسة الخارجية الروسية، التي يحتكرها بوتين، ولم يتجرأ أي وزير أو نائب أو عضو مجلس أو محافظ على مخالفتها.
وذكرت الصحيفة أنه، يوم الأحد الماضي، نظم قرابة ألف مسلم، قادمين من القوقاز، مظاهرة أمام سفارة بورما وسط موسكو، تعبيرا عن مساندتهم لمسلمي الروهينغا. وتلا هذه المظاهرات، التي قمعتها الشرطة بدعوى أنها غير مرخصة ومهددة للكرملين، حشد غفير ملأ وسط غروزني، تأييدا لقدرة رمضان قاديروف على تعبئة الجماهير.
وأضافت الصحيفة أن القائد الشيشاني اغتنم هذه الفرصة لكسر صمت وسائل الإعلام الروسية حول قضية “الإبادة الجماعية للمسلمين في بورما”. وفي هذا الصدد، أفاد قديروف بأن “وسائل الإعلام الروسية تتدخل فورا عندما يتعلق الأمر بالجرائم التي تحصل في مكان ما أوروبا. لكن، عندما يتعلق الأمر بغير الأوروبيين، خاصة مسلمي بورما، حيث يقتل الآلاف كل ثلاثة أيام، نجد صمتا مخيفا من الجميع”.
ونوهت الصحيفة بأن هذا الزعيم الشيشاني يعدّ محقا في هذه النقطة؛ لأن القنوات الفيدرالية الروسية لم تذكر فعلا هذه الأحداث التي شملت الروهينغا ومصيرهم، ولم تغطّ المظاهرات التي نفذت أمام سفارة بورما في العاصمة موسكو. ويعود السبب في ذلك إلى أن التلفزيون الروسي يعمد إلى توجيه المعلومات بطريقة منهجية تخدم مصالح الكرملين.
وأوضحت الصحيفة أن رمضان قديروف يعدّ فعلا زعيما سياسيا ودينيا حقيقيا. وحيال هذا الشأن، أشارت افتتاحية صحيفة “فيدوموستي” أنه في دولة تعتمد على العلاقات الشخصية أكثر من اعتمادها على الوظيفة الرسمية، تسنح الفرصة لرمضان قديروف لتنصيب نفسه الرئيس غير الرسمي للمسلمين الروس.
في هذا الصدد، أفاد مختص في علوم الدين، أليكسي مالاشينكو، بأن “آخر المظاهرات التي اجتاحت موسكو وغروزني تؤكد أن قديروف في طور الانتقال من منصب الزعيم الإقليمي إلى منصب الزعيم السياسي والديني على نطاق دولي. وأضاف أليكسي أن قديروف سينجح في الجمع بين المسلمين، الذين يشكلون نسبة 13 بالمئة من السكان في روسيا.
وتجدر الإشارة إلى أن تحدي هذا الزعيم للقوانين الاتحادية في روسيا ساهم في زيادة شعبيته في صفوف الشباب المسلمين، الذين يحاربون التمييز في المناطق الروسية، التي تتضمن الغالبية الأرثوذكسية.
وأفادت الصحيفة بأن رمضان قديروف يهدف من خلال تحليه بهذه الجرأة، وعمله على تعزيز تأثيره على هذه الأقلية التي تحوم حولها المشاكل، إلى جعل احتمالية تنحيه من على رأس السلطة الشيشانية أو تفكيك نظامه السياسي أمرا شبه مستحيل.
في الواقع، لقد آتت هذه الشجاعة أكلها في روسيا، فقد تعمد رمضان قديروف اختيار وقت حساس جدا لتسديد ضربته، تزامنا مع سفر الرئيس الروسي إلى الصين، التي تعدّ الحليف الرئيسي لبورما، لأجل حضور قمة البريكس.
في هذا الصدد، أفاد المختص في العلاقات الدولية، فلاديمير فرولوف، بأن “صمت الكرملين أظهر ضعفه، إلى جانب أن إدانة تصريحات قديروف بينت أن روسيا مستعدة للتضحية بمصالح المسلمين على طاولة علاقاتها مع الصين”.
وأضافت الصحيفة أنه، حتى هذه اللحظة، لا تزال روسيا تقف جنبا إلى جانب مع الصين، ومعارضة لكل إدانة توجه ضد بورما أمام مجلس الأمن الدولي. ولكن، يبدو أن الدبلوماسية الروسية تحولت يوم الأحد الماضي؛ إذ أعربت الخارجية الروسية، في بيان لها، عن “قلقها إزاء تدهور الحالة الإنسانية في ولاية راخين”.
وأوضحت الصحيفة أن بوتين أدان، بعد وقت قصير من الصين، “هذا العنف المسلط ضد المسلمين”، وأمر العاصمة الاقتصادية رانغون “باستعادة السيطرة على الوضع” في بورما. بالإضافة إلى ذلك، نفى بوتين، يوم الثلاثاء، أي مهاجمة لرمضان قديروف، قائلا إنه “رأي شخصي، ويحق له التعبير عنه”.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن قديروف لم يتجرأ يوما على تسليط الضوء على بعض القضايا التي تعدّ في غاية الحساسية، كالملف السوري. بالإضافة إلى ذلك، لم يسبق لقديروف انتقاد قصف الطيران الروسي للمدنيين المسلمين السنة في حلب وغيرها من المدن. وبناء على ذلك، لاحظ فلاديمير فرولوف أن قديروف “اتخذ خطوة هامة نحو عودة شرعية مشاركة المجتمع الروسي في تشكيل السياسة الخارجية للدولة”.
عربي 21