“داريا” هي أكبر مدن الغوطة الغربية في محافظة ريف دمشق السورية, هي بلدة عريقة تقع بالقرب من العاصمة السورية دمشق في الجهة الجنوبية الغربية منها, حيث تتبع إداريا لمحافظة ريف دمشق وقلَّما تُذكر دمشق إلا وتُذكَر معها داريا.
تبعد عن دمشق حوالي 8 كيلو متر, فهي أكبر مدن الغوطة الغربية ومركزها, وترتفع عن سطح البحر بحوالي 719 متر.
يحدها من الشمال حي المزة ومعضمية الشام, إضافة للمنطقة الصناعية الغربية من حي القدم, وكانت تُعد سابقا مركزاً إدارياً لجميع قرى وبلدات ومدن الغوطة الغربية ومنها:
ببيلا- يلدا- بيت سحم- السيدة زينب- السبينة الكبرى- البويضة- الذيابية- السبينة الصغرى- نجها- قدسيا- أشرفية الوادي- الهامة- جمرايا- الحجر الأسود- حجيرة, إلَا أن هذه المدن والبلدات استقلت بوحدات إدارية عن داريا فيما بعد.
وكلمة “داريا” هي كلمة سريانية وتعني البيوت الكثيرة, مشتقة من كلمة دار والنسبة إليها “داراني”, وكما ذكر في بعض الوثائق أيضا عن تسمية داريا أنها تعود إلى كلمة داريا بالرومية – التركية التي تعني “بحر” وسبب التسمية يعود إلى كون داريا كانت بحرا قبل ألفي عام, حيث كان يصب فيها نهر الأعوج “عرطوز” مكونا بحيرة عظيمة مكانها.
تشير بعض المصادر التاريخية أن تاريخ نشوء مدينة داريا يعود إلى عهود ما قبل الميلاد, ويرتبط وجودها بوجود “دمشق” التي هي أقدم عاصمة بالتاريخ.
مع استيلاء الروم على دمشق, أرسلوا حامية رومية لحماية المدنيين من الغزوات الفارسية, وأقامت تلك الحامية في منطقة داريا, ومع الوقت عملت تلك الحامية والأجيال اللاحقة على تجفيف بحيرة داريا واستصلاح أراضيها للزراعة وبقيت منها التسمية فقط.
اتخذ العرب الغساسنة من مدينة “داريا” معقلا لهم, إلى أن جاء الفتح الإسلامي بقيادة أبي عبيدة ابن الجراح عام 635 للميلاد, فكانت هي أكبر قرى أهل اليمن ” نسبة لوجود قبيلة يمنية استوطنت داريا قبل الإسلام وهي قبيلة بني خولان” بغوطة دمشق وأقاليم الشام وتأثرت داريا بمعظم الأحداث التي اعترت الحكم الأموي والعباسي وخاصة بمنازعات الخلافة كون داريا تقطنها قبائل يمنية “خولان وعنس” وقيسية أيضا, ونتيجة لتلك المنازعات تعرضت داريا للحرق مرتين متتاليتين.
مرت على داريا أحداث ومنازعات ما بين الأتابكة والسلاجقة, ولم تنج من الغزو الصليبي ومن بعدهم التتار, قد عاثوا فيها فسادا وتدميرا, وخلال فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا, وقعت فيها معركة سميت معركة “داريا الكبرى” على أثر حضور بعض رجال قادة الثورة السورية عام 1926 للميلاد.
تعد مدينة داريا من المدن المأهولة بالسكان منذ القديم, وسكان داريا غالبيتهم يدينون بالإسلام وقسم آخر يدين بالمسيحية, ويفوق عدد سكانها تعداد 260 ألف نسمة, ويعتمد غالبية السكان في دخلهم على العمل الزراعي والمهن الحرفية وقليل منهم بالوظائف العامة.
سطور قليلة العدد, تقف عاجزة عن وصف تاريخ وعراقة سكان مدينة داريا التي انتفضت ضد نظام الرئيس السوري “بشار الأسد” منذ بداية أحداث الثورة السورية, وعندما انخرط أبناؤها في العمل المسلح ضد قوات النظام, قدّموا مثلاً رائعا للبطولة والتضحية, فتعرضت المدينة لحصار طويل مع حملة همجية “بربرية” من قبل قوات النظام السوري التي أمطرت المدينة بآلاف البراميل المتفجرة.
صمدت داريا ضد سياسة الحصار الممنهجة لأشهر طويلة, ومع ذلك لم يراهن أبناؤها على قرارات دولية ستسعفهم من القصف والحصار والجوع, بل راهنو على أنفسهم وعلى جيرانهم من الفصائل العسكرية في الغوطتين الشرقية والغربية ودرعا, ولكن لا بد لملحمة الصمود من نهاية محزنة, فقد غابت شمس مدينة داريا في يوم حزين, بات من المفروض عليهم أن يرحلوا ويغادروا مدينتهم وفق اتفاقية بين ثوارها وقوات النظام تقضي بدخول قوات النظام إلى المدينة مقابل إجلاء المسلحين والمدنيين إلى محافظة “إدلب” المحررة.
يتكرر “السيناريو” في داريا من جديد عقب بدايته في حمص القديمة, سيناريو “الإجلاء والتهجير” للسكان الأصليين ليحل محلهم مجموعة من “الغرباء”.
رحل أهل داريا عن مدينتهم حاملين معهم ذكريات جميلة ومؤلمة في آنٍ معا, ولكن يبقى الأمل بالعودة إلى الديار من جديد بعد تحرير سورية من “الغرباء”, حلم بات يبدو اليوم بعيد المنال لأن المجتمع الدولي يشارك في هذه الجريمة بصورة مباشرة وغير مباشرة, ويخشى السوريون من القادمات من الأيام التي قد تحمل مؤامرات أخرى لإفراغ حزام مدينة دمشق من سكانه الأصليين ليحل محلهم “الغرباء”, تجربة مستنسخة عن تجربة “حزام بغداد”, ولكن تبقى إرادة الله فوق إرادة المؤامرات, وسنعود يوما إلى دارنا, كما يقول أهل “داريا”.
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود.