بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
أتيحت لأجيالنا الراهنة فرص ومناسبات عديدة ليشهدوا من خلالها تمزق الصف العربي وتصدع الرأي الرسمي وأنتحار التحالفات العربية (السياسية والعسكرية و الأقتصادية ) ، في ظل أنزواء القادة العرب خلف الأجندة الغربية وتفاصيلها المتعلقة بأضعاف الأمة العربية وأدخال الحشود الجماهيرية المنهكة في متاهات اللاوعي والتخبط تجاه مجريات الأحداث والتغيب التام عن دائرة المكائد التي تحاك ضدهم من أجل الوصول إلى مرحلة المرض والهزال المزمن المستعصي الحل والعلاج .
ويدفعنا المشهد العربي الراهن الى الجزم بأن عصور الأستعمار الغربي للدول العربية لم ينقضي آوانها ولم نخرج بعد من أروقتها المظلمة ؟؟ فالدول التي تعلن أستقلالها وفرارها الحتمي من مستنقع الأستعمار ونجاتها من أتون الحروب الكبرى تشهد قفزات عملاقة في عدة مجالات أقتصادية وسياسية وأنسانية ، تزامنا مع طرد المستعمر الغير مهتم برقي تلك الدول وتطورها لتظل تلك الدول المستعمرة غير قادرة على أدارة أجندة أقتصادية داخلية أو سياسة خارجية متماسكة تحت مظلة الدول المستعمرة .
وبعبارة أخرى أين نحن الأن كدول عربية من الدول التي أعلنت أستقلالها التام ونفضت عنها غبار عبوديتها للدول الكبرى ، أوتلك الدول التي خرجت على كرسي متحرك جراء أشتعال الحروب النووية على أراضيها أو الدول التي ركلت جهلها وقطعت حبلها السري المرتبط بالدول العظمى !!
ولعل بعض الأصوات الغاضبة ستعبر الأن عن سخطها وأزدراءها لفكرة دوام الأستعمار في ظل ماتشهده بعض الدول العربية من تطور عمراني مهول وأنتفاخ ملحوظ في الصناديق السيادية وتبادل الزيارات الرسمية مع رؤساء الدول الكبرى من أجل التشاور والحوار حول القضايا العربية والدولية ، ولكن هناك بعض الأسئلة التي سوف تجيب عن نفسها بنفسها ؟؟
هل تملك تلك الدول حق تقرير مصيرها مع دول العالم كقطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن أو باريس أو لندن أو جزر القمر ، وهل تستطيع على سبيل المثال ناطحات السحاب بالدفاع عن المسجد الأقصى وزواره ، وهل الدول العربية تملك حق النقض الفيتو في مجلس الأمن للحليولة دون السقوط في شباك مصالح الدول العظمى ، وهل من حق مجلس تلك الدول (الجامعة العربية ) أصدار ببانات تتعلق بالقضايا العربية الساخنة وممارسات الدول الغربية المزدوجة المعايير مع تلك القضايا المصيرية خارج أطار التنديد والأستنكار والرفض ؟؟؟
في تقديري بأن أنظمتنا العربية (العميلة) قد بالغت بالتواطؤ مع الدول الكبرى مما أدخلنا في منحى شديد الخطورة يمنعنا من الأعتراف بهويتنا خارج الحدود العربية ويجعلنا نشعر بالفزع الشديد داخل أسوار سجننا الأكبر ( الوطن العربي ) !!
حيث يستدعي إيقاف رجل الأمن لمواطن عربي في أحدى الأزقة كارثة حقيقة تستدعي القلق المفرط وترديد الصلوات على غير أنقطاع على أمل النجاة من الأمن بأي ذريعة ملفقة من الذرائع الجاهزة تحت ئراعيه المتورمين .
ومن قبيل المصادفة فقد تم إيقافي اليوم من قبل دورية أمن في أحدى الدول الأوروبية من أجل التحقق من هويتي وملكية المركبة ، ولسخرية القدر لم أكن أحمل أي أثبات شخصي يساعد رجل الأمن على تحديد هويتي ، وبعد أن بادر رجل الأمن بالمقولة الصباحية المحرمة في عقول رجالات وزارات الداخلية العربية ( صباح الخير ) وعلم بأني لأحمل أي أثبات مادي يشير الى الشخص المراد التحقق منه ألتقط لي صورة من هاتفه المحمول وأرسالها الى مركز الأمن وجاءه الرد بأنني الشخص المالك للعربة وأملك شهادة تخولني القيادة ، فأعتذر بخجل وتمنى لي يوما جيدا !! لست هنا بصدد تقديس الدول الغربية وعلى الأخص بأن الأجهزة القضائية لهذه الدولة قد شهدت أصابة الديمقراطية بالشلل عندما يكون المتهم من حملة الجنسية العربية !! وهنا أعني القضية الأسرائيلية المقامة ضدي في تلك الدولة بسبب قصيدة في العام الماضي ، ولكن الشيء بالشيء يذكر !!
الأنفصام الغربي !!
يتوجب علينا عند الحديث عن دوامة المتاعب التي تحاصر المراكب العربية الأيلة للغرق بالتطرق للسياسات الغربية ، ليس من باب العداء الغير مبرر والكراهية العمياء ولكن بسبب أنفصام تلك الدول عن الواقع العربي بتعاطيها المتحيز مع الملفات العربية بما يتوافق مع سير عربة مصالح تلك الدول ضاربين عرض الحائط شعاراتهم الديمقراطية والأنسانية والدعائية ، حيث تتسم تلك السياسات بالأنكار الى حد طمس الحقيقة تجاه القضايا العربية المشتعلة !!
ولكي نخرج من دائرة الأتهامات التعسفية ينبغي علينا التطرق الى أمثلة حية تشرح وجهة النظر المطروحة في هذا المقال .
_ الأزمة الخليجية :
قدمنا في عدة مقالات سابقة شرحا مستفيضا حول الأزمة الخليجية وأسبابها ومألاتها ومن يقف خلف الكواليس وأعطى أشارة البدء لتلك المسرحية العربية الهزلية ، وماتلحقه تلك الأزمة من خسائر فادحة على الصعيد العربي وعلى العكس ماتنتجه تلك الأزمة من سلال محاصيل تخص الدول الكبرى .
وضمن مسلسل تبادل الأدوار الأمريكي تجاه الأزمة ، أشارت المتحدثة بأسم الوزارة هيذر نويرت في مؤتمر صحفي إلى أن الأزمة أستمرت “أكثر من اللازم”، مشددة على ضرورة خفض حدة الخطاب بين أطراف الأزمة، وأن بلادها ستواصل الحوار مع #الحكومةالقطرية . وقد يخيل هنا للبعض بأن #واشنطن تشعر ببالغ القلق من أستمرار #الأزمةالخليجية للأسبوع الثاني عشر على التوالي وبأنها ( واشنطن ) تسعى بكامل طاقتها لخروج الأخوة الأعداء من نفق الأقتتال اللامنتهي !! بينما واشنطن هي من زرعت بذور الشقاق بين الجانبين وألقت الدنياميت في الصحراء الخليجية !!
وبدا ذلك واضحا من خلال بدء تلك الأزمة فور رحيل ترامب من الرياض وأستخدام واشنطن لغة الخداع عبر الكيل بمكاليين بما يخص الأزمة ؟؟ حيث ترامب يهاجم الدوحة واصفا أياها بمنبع الأرهاب العالمي ، حيث أعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء (السادس من حزيران/يونيو 2017) أن “عزل قطر قد يشكل بداية نهاية رعب الإرهاب”، موضحا أن “كل الدلائل تشير إلى (دور) قطر في تمويل التطرف الديني “. وكتب ترامب في سلسلة تغريدات على تويتر إن دول الخليج قالت “إنها ستعتمد نهجا حازما ضد تمويل التطرف وكل الدلائل تشير إلى قطر “.
ليمنح بتلك التغريدات المضللة الرياض الضوء الأخضر من أجل دفع الأمور نحو نقطة اللاحوار مع قطر في حال عدم رضوخ الأخيرة لشروط الدول المقاطعة ، مع تهديد ترامب بأحتمال نقل قاعدة العديد الى خارج قطر .
في حين يمارس وزير الخارجية الأمريكي التعري الأخلاقي والقفز فوق حواجز الخطابات لخداع الدوحة لكي تشعر بأن واشنطن تقف في صفها ضد الدول المقاطعة ، ممايزيد من تعنت الدوحة ويعيق حركة الأطراف العربية الداعية الى تهدئة الأمور !! فقد صرح وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، بجانب تصريحات بعض المؤسسات السيادية الأخرى والتي تميل إلى كفة قطر والدول الداعمة لها ، مما يعكس حالة التناقض الواضح في موقف واشنطن حيال تلك الأزمة .
وأستمرارا للحرب الكلامية التصعيدية بين الرياض والدوحة تناغما مع العيارات النارية الخطابيةالصادرة عن واشنطن ، فقد أتهمت الصحف القطرية الرياض بمحاولة “أستغلال الحج كورقة سياسية لتحقيق مكاسب في الأزمة الخليجية”، أكدت صحف أخرى أن الدوحة تحاول “تدويل ملف الحج وتسيسه”.
وكان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قد أمر بأرسال طائرات خاصة تابعة للخطوط الجوية السعودية إلى مطار الدوحة لنقل كافة الحجاج القطريين واستضافتهم بالكامل على نفقته الخاص ، وقابل هذا الأقتراح رفض تام من قبل الدوحة بحجة أن الشعب القطري لايحتاج الى الصدقة السعودية .
كما أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات أنور قرقاش الجمعة أن القرار القطري الأخير بإعادة السفير إلى طهران صاحبته حملة تبرير واسعة ومرتبكة، مضيفاً أن هذا هو حال الأستدارة التي تمارسها الدوحة في موقفها تجاه اليمن وإيران .
ويمكننا الأستنباض من خلال تصريحات الجانبين وعبر تفاصيل الحرب الكلامية المستعرة والأتهامات المتبادلة بينهما عن شكل لاينطوي عليه بشائر خير في القريب العاجل .
وبطبيعة الحال ، أن واشنطن لا تبرح أن ترسل الأشارات المتناقضة لكلا الطرفين لكي يزيدوا في حماقتهم وتهورهم ممايسهل على واشنطن التحكم بلجام تلك الدول لقاء حصولهم على الدعم الأمريكي اللازم خلال الأزمة . وكما يعتقد البعض بأن الخطوات الأميركية الصادرة تجاه بعض دول الحصار (السعودية ومصر والإمارات والبحرين) تشكل نوعا من الضغط على تلك الدول ، كما أن تجميد الولايات المتحدة مساعدات لمصر وإبراز وضع السعودية والبحرين في قائمة الدول التي تنتهك الحريات الدينية تصب في مصلحة الدوحة ، يرفض الأخرون هذا الطرح ممايبدو لافتا أنقسام الشارع العربي عاموديا في ظل تذبذب السياسة الأمريكية في المنطقة .
وبرأيي الشخصي فأن كان لزاما على قطر الهروب من الحظيرة السعودية وخلع عباءة الأمتثال للرياض والأستقلال بكيانها وقراراتها فقد خاب ظنها ؟؟ بعد أن دخلت الحظيرة الإيرانية المختلفة الأيديولوجية والبعيدة الجغرافيا ، وستعض قطر أصابعها عما قريب لما أقترفته من حماقة لاتغتفر !!
_ المساعدات الأمريكية :
وضمن أبرز مواسم الأصطدام مع الجدار الغربي ، يتصدر المشهد الأن قرار واشنطن بأيقاف المساعدات عن مصر بحجة عدم قيام الأخيرة بمراعاة حقوق الأنسان ، وبعيدا عن توجيه الأتهامات للقاهرة ووضع الملف الأنساني تحت المجهر ، و يتوجب علينا هنا أسقاط قرار واشنطن بوقف المساعدات لمصر بقرينه من القرارات من خلال أيقاف المساعدات عن الجيش السوري الحر !!
فأن كانت القاهرة على (سيبل الطرح ) تتجاوز قليلا مواثيق حقوق الأنسان فأن الجيش السوري الحر يقاتل دكتاتورا لايعترف بوجود الأنسان على الأطلاق ، فكيف تنظر واشنطن للأمور وبأي منظار معطل ؟؟
فالخميني أقرب حلفاء بشار الأسد يصفه مؤخرا وعلى لسان قائد فيلق القدس قاسم سليماني ” بأن الخميني صرح بأن بشار ديكتاتور كالشاه ” ، وكما أجمع على ذلك أغلب قادة العالم ولكن واشنطن توقف الدعم عن معارضي الدكتاتور ؟؟ وفق سلسلة من المفاهيم المفككة أنسانيا المتراتبطة نفعيا ، متجاوزة (واشنطن ) عمدا وبطريقة صادمة الجسر الفاصل بين الحق والباطل معلنة وللأسف بأن الدكتاتور ليس من يقتل الشعوب ويضطهدها ولكنه من يعرقل مصالح واشنطن !!
وجاء القرار الأميركي بحرمان مصر من مساعدات قيمتها 96 مليون دولار وتأجيل مساعدات أخرى بقيمة 195 مليون دولار لعدم أحترامها معايير حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية “قد يكون بسبب ما تعتقد واشنطن أنها علاقات نشأت بين مصر وكوريا الشمالية” !!!!
في حين أن مصر تحصل سنويا على مساعدات أميركية بقيمة 1.3 مليار دولار على هيئة دعم عسكري، في حين تتلقى مساعدات اقتصادية سنوية بقيمة 150 مليون دولار، وهذه المساعدات تقدم ضمن أحد بنود اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل الموقعة عام 1979 .
عزيزي القارىء , لاتهدأ الدول الكبرى عن رسم السيناريوهات وأنشاء المطبات للدول الضعيفة بما يتماشى مع مصالحها بعيدا عن الضجيج الأعلامي والحفلات الخطابية حول سعي تلك الدول لتحقيق الأمن والأستقرار العالميين , ولاتزال الدول الضعيفة تسقط بالفخ مرارا وتكرارا وتلجأ للذئب ليخلصها من الضباع ، وتعد النقطة الجوهرية في سياق ماسبق هل تمارس الدول العربية السقوط الحر في أحضان الدول الأنتهازية عن جهل ودون قصد أو عن سابق أصرار ، ومن يتحمل تبعات ذلك السقوط المدوي الشعوب أو الأنظمة الحاكمة ؟؟
أترك الأجابة لك ، عزيزي القارىء .