صرّح الرئيس التركي أردوغان قبيل توجهه إلى دول الخليج بأن السياسات العسكرية ستشهد تغيرا خلال المرحلة القادمة، وأعلن أن بعيد انتهاء عملية الباب ستكون هناك أهداف أخرى. بتعبير آخر نوّه إلى احتمالية الدخول إلى المنبج وبعدها إلى الرقة. ولم يكتف بإثارة هذه القضية، وإنما أعطى التعليمات العسكرية اللازمة أيضا للتوجّه نحو هذه الخطوط, وقد تكون لهذه التعليمات أبعاد سياسية ودبلوماسية، أي يمكن أن يُفسّر على أنّه تفاوض بدأ من الأعلى. وعلى أساسه فإن لم يتم تنفيذ طلبات تركيا، قد يدخل الأمر حيز التطبيق، ذلك لأن الحرب السورية التي تبدو للخارج وكأنها هدأت، مازالت تدرك من قبلهم على أنها مشكلة من نوع خاص بالنسبة إلى تركيا.
إصرار أردوغان
موقف آخر في الإطار نفسه يحمل أهمية كبيرة، وهو طلب الرئيس أروغان في زيارته إلى البحرين إقامة منطقة آمنة. ودعا أردوغان دول الخليج إلى تقديم الدعم فيما يخص الإنشاءات المقررة في المنطقة التي سيتم تشكيلها. تركيا تصر على هذا الأمر بشكل كبير، تطالب بتحويط منطقة تصل لى 4 – 5 كيلو متر داخل الأرض السورية. ويمكننا القول: إن هذا الطلب بمثابة سياسة واضحة تتبعها أنقرة.
من دون أدنى شك تركيا محقة في طلبها هذا، ففي حال تطبيق المنطقة الآمنة ستنخفض المخاطر العسكرية، وكما ستشعر بارتياح نسبي فيما يخص مسؤوليتها تجاه اللاجئين. فأكبر مكسب ممكن أن تحققه تركيا فيما يخصها، هو إقامة منطقة آمنة على أوسع مساحة ممكنة. وبطبيعته يعد هذا الهدف صعبا نوعا ما، ولا سيّما أن أردوغان أفاد بأن أوباما وترمب لم يبديا أي رد لهذا الطلب بعد. وبالإضافة إلى ما سبق يُعرف بأن روسيا الأكثر فاعلية من أمريكا في سوريا هي الاخرى لا تنظر بحماس لفكرة إقامة منطقة آمنة في سوريا.
بالإضافة إلى ما سبق، إحدى المشاكل المتواجدة هي عدم وجود دلائل وقناعات مادية وملموسة لكيفية السياسة التي ستتبعها إدارة ترمب الجديدة. في حال عملت إدارة ترمب على جمع تركيا وأكراد المنطقة “حزب الاتحاد الديمقراطي” حول طاولة السياسة نفسها، فإن هذا الأمر لن يؤدي إلى عدم الجدوى فحسب، وإنما ستضمن الإدارة بذلك الانتقادات من قبل أنقرة.
ومن جهة أخرى في حال اعترضت روسيا على ذهاب تركيا إلى أبعد من مدينة الباب، فهذا يعني أن رد فعل آخر لتركيا سيلوح في الأفق. لم تكتفِ روسيا بعدم اتخاذ خطوة إلى الوراء فيما يخص التقارب مع تنظيم بي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي، بل حتى على المستوى الشكلي لم تقم بأي تغيير في سياستها تجاههم. وهذا أمر آخر مقلق لم تثره أنقرة، إلا أنها دونتها في أجندتها.
لا يكفي أن تكون محقا
يبدو أن امتلاك تركيا دلائل منطقية أمام خطر الإرهاب، وتحملها مسؤولية اللاجئين لوحدها، غير كافية لإظهارها على أنها على حق، ولذلك سنحتاج إلى اتباع سياسة حساسة، ويقظة، وصبورة، وفي الوقت نفسه سياسة تأخذ بكل الحسابات. وهناك حقيقة أخرى وهي أن تركيا لديها أسبابها التي تدفعها إلى الإسراع فيما يخص إقامة المنطقة الآمنة، أكثر من الفاعلين الآخرين على الساحة.
تركيا تستعجل، ذلك لأنّ هناك محاولات وميول قوية تسعى إلى توجيه تنظيم داعش بأكمله نحو تركيا. كما التهديدات والمخاطر التي يشكلها تنظيم بي كي كي واضح للجميع، تبدو تركيا الآن وكأنها هدف لتنظيم داعش الذي فقد مساحات واسعة في كل من سوريا والعراق.
إن إقامة منطقة آمنة تعني بعبارة أخرى، اقتراب الحرب في سوريا نحو النهايات، وتشكل المنطقة الآمنة دافعا كبيرا باتجاه تحقيق السلام الدائم فيها. ففي حال نجحت تركيا في تحقيق ذلك، فهذا يعني أنها حققت نصرا من الناحية الدبلوماسية أيضا. وإلا فإن المخاطر العسكرية ستستمر، وستبقى الالأوضاع الامنية خارج السيطرة.
الاحتماليات كلها تشير إلى أن سياسة الضغط فيما يخص إنشاء منطقة آمنة، وشرح فوائدها، هي السياسة الأكثر فاعلية في الوقت الراهن.