لم تعد الحروب يقودها فقط العسكريون ويُسيرون لها الدبابات والطائرات بل يقودها اليوم أصحاب الياقات البيضاء الذين يمسكون بخيوط الإعلام والاقتصاد العالمي ويقودون البورصات في مختلف أنحاء العالم ويديرون شركات عالمية تتجاوز أصولها ميزانية دول مجتمعة ويتجسسون علانية على جميع البشر ويحتفظون ببيانات حياتهم الدقيقة.
الغريب أن أمريكا نجحت سابقاً في حربها مع الاتحاد السوفيتي ولم تدخل في حرب مباشرة معه بل نقلت مفهوم الحرب من الشكل التقليدي إلى الحرب الاقتصادية بطرحها مفهوم سباق التسليح وهو مصطلح شاع استخدامه خلال حقبة الحرب الباردة بين المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة والشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي سابقاً مما أجبره على تخصيص نسبة كبيرة من ميزانيته للتسليح ليجاري الولايات المتحدة مع وجود فرق شاسع بين اقتصاده والاقتصاد الأمريكي الأمر الذي راكم الأخطاء وجعله يتأخر في مجالات التعليم والصحة والصناعة والزراعة وبالتالي أصبح عملاقاً بأرجل خشبية مما سارع إلى انهياره بشكل دراماتيكي صدم العالم وتفتت دوله وانتقل بعضها للطرف الآخر كدول أوربا الشرقية التي انضمت للاتحاد الأوربي وحلف النيتو واليوم تعود أمريكا لممارسة نفس المنهجية في تطويعها للدب الروسي ومن ورائه التنين الصيني بحصارهما اقتصاديا وفرض القيود المالية وإدخالهما في منافسة مضمونة النتائج دون أن تدخل بمواجهة عسكرية معهما وهو ما يؤكده البيت الأبيض أن أمريكا لن ترسل أي جندي لمواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا.
الملعب الاقتصادي هو الذي يجيده الأمريكيون أكثر من السلاح لا يسقط به ضحايا ودماء وأشلاء ترعب المشاهد الأمريكي بل تسقط دول وكيانات وعلى المدى الطويل لذلك استدرجت أمريكا الروس الى هذا المضمار وأثبتت حركة العملة الروسية صوابية التوجه الأمريكي فقد سجل الروبل الروسي اليوم الاثنين أدنى مستوى في تاريخه أمام الدولار رغم الإجراءات الصارمة التي فرضتها روسيا في محاولة لتجنب انهيار عملتها بسبب العقوبات عقب غزوها لأوكرانيا.
ووفقاً للبيانات فقد وصل سعر العملة الروسية اليوم الاثنين إلى 106.5 روبل للدولار بعد أن كان الروبل أنهى تعاملات الأسبوع الماضي على تراجع بنسبة 20% مقابل الدولار.
الروبل هو الوحدة الأساسية لعملة روسيا الاتحادية وروسيا البيضاء وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا كما كان الروبل العملة المستخدمة في روسيا القيصرية والاتحاد السوفييتي السابق أي يمكن اعتبار صرف الروبل مقياس لمدى نجاح السياسة الأمريكية قديماً وحديثاً.
تعود تسمية الروبل إلى القرن الثالث عشر ويقال أن الأهالي أطلقوا عليه هذه التسمية اشتقاقاً من الفعل الروسي “روبيت” أي “قطع” فكانت الروبلات قطعا من الفضة.
في عام 1991 بدأ الإصلاح النقدي السوفيتي الأخير وأصدر الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف قراراً يقضي بوقف تداول الأوراق النقدية من فئة 50 و100 روبل التي يعود إصدارها إلى عام 1961 وبذلك تم شطب كل المدخرات للمتقاعدين الذين كانوا يحتفظون بها في منازلهم.
يضم الروبل الروسي الحالي 100 كوبيكا وتعني كلمة “كوبو” الرمح والمقصود به الرمح الذي يقتل به “القديس جورجيوس” التنين ما يعزز التصور الديني للعملة الروسية بعد عقود من الحكم الشيوعي!
لننظر إلى الاقتصاد قبل أن ننظر إلى خرائط السيطرة والصراع فالتاريخ يقدم الدروس أن التدمير والخراب لا يصنع نصراً وربما الروس لم يفهموا درس التاريخ أيام الاتحاد السوفيتي ولذلك يعيده عليهم مرة ثانية في الحرب الأوكرانية.
محمد مهنا / مقال رأي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع