طرق مليئة بالمطبات والحفر والأماكن المنزوعة من الإسفلت بفعل القصف وغياب أعمال الصيانة والإصلاح عنها, شوارع وطرقات داخل وخارج المدن والبلدات في ريف مدينة إدلب تعاني من المخالفات الكثيرة كاقتراب وتوسيع العديد من أطراف البيوت والمحلاّت التجارية لتصبح ملاصقة لحدودها, وترك أكوام من الأتربة والرمال وحتى الحجارة التي تشكل بمجموعها مواد مستخدمة للبناء على جوانب الطرقات وفي بعض الحالات تأخذ حيزاً لا بأس به من المساحة العرضية للطريق, ظلمة حالكة تخيم على طول المسافة الفعلية للطرقات التي تصل بين البلدات و التي تؤدي أيضا إلى مركز المحافظة, وهي مدينة إدلب, يشكل هذا الواقع المتردي لشبكة المواصلات الموزعة في جميع أنحاء محافظة إدلب “المحررة”, بل وحتى جميع المناطق المحررة في سورية, تحدّيا كبيراً أمام المواطنين القاطنين فيها لتلافي مخاطر حوادث قيادة السيارات والدراجات النارية ليلاً.
تشير بعض الإحصائيات التي رصدت وتابعت مسألة الحوادث المرورية الليلية في محافظة إدلب, إلى ارتفاع عدد هذه الحوادث المأساوية بشكل ملحوظ, والتي تودي في كثير من حالاتها إلى وقوع العديد من الضحايا بين صفوف السكان المقيمين في المحافظة عموماً, مع العلم أنه حتى هذه اللحظة لا توجد إحصائيات دقيقة توثّق هذا الكم الهائل من الحوادث المرورية الليلة التي حدثت ومازالت تحدث “للأسف” في المحافظة, وإنما هي عبارة عن إحصائيات تقديرية بعيدة عن الواقع الحقيقي قامت بها بعض الجمعيات الأهلية المحلية في المحافظة, وذلك نظراً لحالة الفوضى التي تعيشها البيئة المرورية في المحافظة, وذلك لغياب الجهة الموحدة المسؤولة عن تنظيم السير بشكل كامل ليشمل جميع أراضي المحافظة عن طريق فريق من الشرطة المؤهلة لتنظيم المرور, والتي تكون تابعة لجهة مخولة بتطبيق العقوبات والإشراف على إعادة تأهيل الطرقات بما يضمن السلامة المرورية لجميع سائقي المركبات من أهلنا في المحافظة.
يتحدث لنا أبو أحمد وهو من أبناء مدينة “كفرنبل” في ريف إدلب الجنوبي والذي يعمل حرفياً “نجّار”, عن خطورة القيادة الليلية قائلاً:
“أمتلك شاحنة “هونداي” والحمد لله, أستطيع من خلالها خدمة عملي في نقل الأخشاب من وإلى الصالة التي أمتلكها والحمد لله, وأمتلك أيضاً دراجة نارية أستقلها عندما أحتاج للتنقل بمفردي وذلك نظرا لغلاء أسعار المحروقات المستخدمة في حال قيادة وتحريك الشاحنة, ومن خلال خبرتي أستطيع القول أن القيادة الليلية في هذا الوقت تحديداً, قد أصبحت تشكّل خطورة كبيرة على حياة المواطن, فكثيرا ما تُفاجئ بحفرة كبيرة, أو حتى بعض الأحجار المرمية في الطرقات, أو حتى بعض الأكوام من الأتربة مع الحصى والتي تتسرب من بعض الشاحنات التي تقوم بنقلها بين القرى نظراً لعدم تغطيتها من قبل السائق, ناهيك عن الظلمة الكبيرة التي تسود الشوارع ليلاً لعدم وجود إمكانية الإنارة القوية بسبب انقطاع الكهرباء عن المدينة منذ ثلاثة أعوام تقريبا, تشكّل كل هذه العوامل بيئة خصبة تحتضن نمو ظاهرة الحوادث الليلية”
وبالتأكيد ليس للواقع الخدمي المتردي نوعا ما في المحافظة كل التأثير على زيادة نسبة الحوادث المرورية الليلية, فغياب ثقافة القيادة وأنظمة المرور وغياب الجهة المطبقة لها دفعت بالعديد والكثير من المواطنين أنفسهم إلى القيام بمخالفات من شأنها أن تشكّل خطراً كبيراً على غيرهم أثناء السير على الطرقات في الليل.
حدّد لنا الشاب باسم الأسعد “24” عام, وهو يعمل كشرطي للمرور على أحد مفارق الطرق في المحافظة بالقول:
“نحن لا نتبع لإدارة مرورية متخصّصة, وإنما نعمل كمجموعة تم انتدابها من قبل إحدى الفصائل العسكرية التابعة للمعارضة, لتقديم ما نستطيع تقديمه لخدمة الواقع المروري عن طريق تنظيم عمليات السير, الحقيقة إن المخالفات المرورية التي يقوم بها البعض من المواطنين الذين لا يعيرون لقوانين السير أي أهمية وخصوصا ليلا, تساهم كثيرا في صنع الحادث المروري للأسف, ومنها اللجوء لتشغيل الأنوار “العالية” أو الساطعة ليلاً حتى عند المرور في وسط البلدة حيث الإنارة مقبولة نظراً لوجود بعض الأنوار المركّبة على الأعمدة والتي تتغذى من “اللوح الشمسي”, هذا الأمر يؤثر على رؤية الطرف المقابل وقد تم تسجيل العديد من الحوادث الناجمة عن هكذا محالفات, فضلا عن استهتار عدد كبير من سائقي السيارات بعدم إصلاح أحد جانبي الإنارة في أضواء سيارتهم, والسير بضوء وحيد في منتصف الطريق مما يخلق شبهة أمام الطرف المقابل وشك بأن هذه السيارة هي عبارة عن دراجة نارية, هذا الأمر ساهم أيضا في إحداث العديد من الحوادث المرورية ليلا, فضلا عن انبعاث الدخان الشديد من بعض الآليات نتيجة لسوء المحروقات والذي يشكل حاجزاً دخانياً ضبابياً حول المركبات المجاورة, وهناك العديد من الممارسات الغير مسئولة من قبل بعض السائقين ليلاً وللأسف أستطيع القول أنها كثيرة وكثيرة جدا”.
إذن في ظل تلك المخاطر الناجمة عن عديد العوامل التي تساهم في تهيئة البيئة الخصبة لنمو الحوادث المرورية ليلًا في محافظة إدلب, نستنتج أن خطر طائرات النظام الحربية الليلية “الحربي الرشاش” والتي أوقعت عدداً لا باس به من الشهداء جرّاء استهدافها المدنيين على الطرقات ليلا”, هي ليست الأخطار الوحيدة, بل إن هناك أخطاراً عديدة نصنعها نحن بأيدينا, ومنها عدم المبالاة بحياة الآخرين أثناء تعمُّد أذية الطرقات وإهمالها وعدم صيانتها والإصرار على ارتكاب المخالفات المرورية ليلاً أو نهاراً, فمتى ندرك أن تغيير الواقع نحو الأفضل يتطلب ثورة على النفس أولاً للتقدم نحو المستقبل الأفضل؟!.
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود.