لو راجعت المنطلقات النظرية والفكرية والعقدية للجماعات الجهادية الإسلامية المتشددة لوجدتها تطبيقاً حرفياً لفتاوى وتعاليم وشروحات وتفسيرات ابن تيمية (1263- 1328م) ولطالما بنت تلك الجماعات تصرفاتها وسياساتها على أفكار شيخ الإسلام؛ لهذا يتعجب الكثيرون ويتساءلون الآن: كيف لتلك الجماعات التي تشرّبت مفاهيم ابن تيمية وطبقتها بحذافيرها أن تتحالف مع أخطر جهة حذر منها شيخ الإسلام قبل نحو سبعمئة عام، وهم حسب وصفه آنذاك «الرافضة» الذين تمثلهم إيران الآن عقدياً أفضل تمثيل؟!
تعالوا أولاً نقرأ بعض توصيفات ابن تيمية للرافضة: «فمن له أدنى خبرة بدين الإسلام يعلم أن مذهب الرافضة مناقض له، ولهذا كان الزنادقة الذين قصدهم إفساد الإسلام يأمرون بإظهار التشيع والدخول إلى مقاصدهم من باب الشيعة» ثم يضيف «والرافضة أمة مخذولة، ليس لها عقل صحيح، ولا نقل صريح، ولا دين مقبول، ولا دنيا منصورة.. ذم الرافضة في كلام السلف والأئمة كثير جداً، وقد علم العلماء أن أول من ابتدع الرفض في الإسلام بعض الزنادقة المنافقين… أكاذيب الرافضة لا يرضاها أكثر العقلاء من الكفّار… ولهذا تجد خلقاً من الرافضة والإسماعيلية والنصيرية يعلمون في الباطن فساد قولهم، ويتكلمون بذلك مع من يثقون به… الرافضة هم أجهل الطوائف وأكذبها وأبعدها عن معرفة المنقول والمعقول، وهم يجعلون التقية من أصول دينهم، ويكذبون على أهل البيت كذباً لا يحصيه إلا الله، حتى يرووا عن جعفر الصادق أنه قال: «التقية ديني ودين آبائي»…. ولهذا لا يوجد في أئمة الفقه الذين يرجع إليهم رافضي، ولا في أئمة الحديث ولا في أئمة الزهد والعبادة، ولا في الجيوش المؤيدة المنصورة جيش رافضي، ولا في الملوك الذين نصروا الإسلام وأقاموه وجاهدوا عدوه مَن هو رافضي، ولا في الوزراء الذين لهم سيرة محمودة من هو رافضي…. فإنك لا تجد في طوائف أهل القبلة أعظم جهلاً من الرافضة، ولا أكثر حرصاً على الدنيا… ودع ما يُسمع ويُنقل عمن خلا، فلينظر كل عاقل فيما يحدث في زمانه، وما يقرب من زمانه من الفتن والشرور والفساد في الإسلام، فإنه يجد معظم ذلك من قِبَلِ الرافضة، وتجدهم من أعظم الناس فتناً وشراً، وأنهم لا يقعدون عما يمكنهم من الفتن والشر وإيقاع الفساد بين الأمة».
طبعاً نسوق هذه المقتطفات من توصيفات ابن تيمية -ليس إيماناً بها أو للتشهير بأحد- لا أبداً، بل نحاول أن نذّكر بها الجماعات الإسلامية التي تطبق تعاليم شيخ الإسلام حرفياً، ثم تتخذ الآن من إيران موطناً لها، حسب تأكيدات وزير الخارجية الأمريكي بومبيو. وهاكم ما قاله الوزير حرفياً: «تنظيم القاعدة أصبح لديه مقر جديد هو الجمهورية الإيرانية… عضو القاعدة أبو محمد المصري قـُتل في آب- أغسطس الماضي في العاصمة الإيرانية طهران…تنظيم القاعدة لديه علاقات مع إيران منذ ثلاثة عقود…. إيران ساعدت في التخطيط لضربات الحادي عشر من أيلول- سبتمبر…طهران سمحت للقاعدة بجمع الأموال وتتواصل مع قادتهم في كل أنحاء العالم…وزارة الاستخبارات الإيرانية قدمت الدعم اللوجيستي لتنظيم القاعدة…القاعدة تتلقى الدعم من إيران التي أصبحت أكبر دولة ممولة وداعمة للإرهاب… طهران تسمح لتنظيم القاعدة بالتواصل بحرية مع الخارج».
هجوم داعش على محافظة السويداء قبل سنوات الذي قتل وأسر مئات الموحدين الدروز كان هجوماً داعشياً من تدبير سليماني نفسه
وحتى داعش ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران وقد نفذت الكثير من عملياتها بالتنسيق مع الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذي قتلته أمريكا مع شريكه أبو مهدي المهندس قبل عام في العراق. ويؤكد موقع «أنا إنسان» الذي يتابع تحركات إيران في المنطقة الجنوبية من سوريا بالتفصيل أن هجوم داعش على محافظة السويداء قبل سنوات الذي قتل وأسر مئات الموحدين الدروز كان هجوماً داعشياً من تدبير سليماني نفسه. وقد عاقبته أمريكا بالاغتيال بعد أن بدأ يخرج عن الخط المرسوم له، وحتى ما يسمى بهيئة تحرير الشام «النصرة» سابقاً، حسب مصادر سورية نظامية لها ارتباطات مع إيران.
ولا ننسى أيضاً أن بعض جماعات «المقاومة» الإسلامية الفلسطينية «السنية» تعترف على رؤوس الأشهاد بأنها تتلقى الدعم المادي والسياسي من إيران الرافضية بمفهوم شيخ الإسلام، وقد كانت حركة «الجهاد الإسلامي» موغلة في علاقاتها بإيران سياسياً وعقدياً، حتى أن زعيمها السابق راح يتشبه بالإيرانيين حتى في لباسهم وهندامهم.
والسؤال الذي بدأ يسأله الآن الكثيرون بعد تأكيدات وزير الخارجية الأمريكي أن أخطر تنظيم جهادي إسلامي ألا وهو تنظيم القاعدة بات الحليف والأداة الرئيسة بيد إيران، بدأ يتساءل: كيف للجماعات التي تدعي أنها أصدق وأكثر طرفاً يطبق فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، كيف لها أن تتحالف مع أخطر جهة حذر منها شيخهم قبل حوالي سبعة قرون؟
وهذا السؤال يأخذنا أيضاً إلى كتاب د. نبيل خليفة وهو أكاديمي لبناني ماروني «استهداف أهل السنة» الذي يقول إن هناك تحالفاً أمريكياً إسرائيلياً روسياً إيرانياً لشيطنة أهل السنة في المنطقة وإضعافهم وتشتيتهم وتفكيك بلدانهم وتمكين إيران بحيث تصبح القوة المهيمنة على المنطقة. وهو أمر بات واضحاً للعيان بعد أن صارت تسيطر على خمس عواصم عربية وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء والأحواز طبعاً عبر ما يسمى بالهلال الشيعي. والسؤال هنا: هل هذه الجماعات الجهادية المحسوبة على السنة كالقاعدة وداعش، هل هي تمثل السنة فعلاً أم تم تصنيعها لشيطنة الأكثرية السنية لصالح إيران، بدليل أن موطن تنظيم القاعدة الآن هي إيران حسب تأكيدات وزير الخارجية الأمريكي آنفة الذكر.
وإذا أردنا ربطاً بين أنموذجين اخترناهما ـ رغم البعد الزماني والاختلاف العقدي- أي بين آراء وفتاوى ابن تيمية، وما دوّنه د. نبيل خليفة، فإننا أمام سياقين تاريخيين يبدوان في حالة تشابه من حيث اجتثاث «السنة» الأول ـ أي ابن تيمية ـ حذّر أتباعه من الوثوق بالتتار ولو رأوه تحت رايته فليقتلوه، والآخر حذّر من أن ثمة قوى في العالم تتحالف لاجتثاث السنة وقد كلّفت إيران وأذرعها بذلك! لننتهي لنتيجة مفادها: أن من تدعمهم إيران من جماعات متطرفة محسوبة على السنة، لها مهمة واضحة، وهي تقديم السنة وحوشاً وقتلة وإرهابيين، فيما يبدو ما تفعله إيران لمحاربة أولئك الوحوش!
مما تقدم يبقى السؤال: ماذا يمكن أن تقول الجماعات الجهادية «السنية» بين قوسين طبعاً لشيخ الإسلام بعد أن تم فضح ارتباطاتها الوثيقة مع من سماهم ابن تيمية بـ«الرافضة» واعتبرهم أخطر طرف على الإسلام والمسلمين من كل الأعداء الآخرين؟
بقلم : فيصل القاسم
نقلا عن القدس العربي