خلف القضبان
“بحثت عنهما ل 3سنوات في كل مكان وفي كل فرع أمني لعلي أتوصل إلى خبر أطفئ به الآلم الذي اجتاح قلبي منذ أن أعتقل ولداي وفلذتي كبدي التوءم” بهذه الكلمات بدأت أم محمد تروي قصتها في البحث عن ابنيها محمد وأحمد اللذان اعتقلتهما قوات النظام.
فعشرات الآلاف من المعتقلين المغيبين في سجون النظام لا يعرف ذويهم عنهم أي معلومة، فجل همهم التوصل إلى خبر فقط ليعلموا إن هم على قيد الحياة أو في عداد الشهداء.
أم سعيد أم لأربعة أطفال اعتقلت قوات الأمن السوري زوجها وسرقوا محتويات منزلها فقررت أن تعمل لتعيل أطفالها الصغار وتبحث عن زوجها المفقود فحدثتنا عن مأساتها في البحث عنه، فلم تعد قادرة على إعالتهم؛ بسبب المرض الذي حل بها على حين غرة, تقول لنا “بحثت لمدة سنتين عنه في جميع الأفرع الأمنية؛ ولم أتوصل لنتيجة، وذات يوم نصحتني إحدى الجارات بأن أذهب إلى الشرطة العسكرية في القابون في العاصمة دمشق وللبحث عنه كما فعل أحد أقاربها ووجد ابنه المفقود.”
“وفعلا لم أتوان في الذهاب إلى هناك، ورأيت مئات النساء وعشرات الرجال وجميعهم ينتظرون في طوابير يسألون عن شخص مفقود لهم، وعندما جاء دوري طلبوا مني بطاقتي الشخصية ودفتر العائلة وقالوا لي “يقدّم الطلب من ذوي المعتقل المقرّبين حصرًا (أب، أم، أخ، أخت، زوجة، ابن، ابنة)، فتسلل حينها الفرح إلى قلبي وكأني وجدته وما هي إلا دقائق جاء مساعد أول في الجيش وقال لي: هنيئا لك لقد وجدنا زوجك ولكن تحتاجين وقتا طويلا لرؤيته، فقلت له أنا جئت من حلب وتركت أطفالي الصغار عند جارتي، فرمقني بنظرة الحقد الدفين وقال ادفعي بعض النقود لأسرع الإجراءات فطلب 5 آلاف ليرة، وعاد بعد قليل ليخبرني أن أذهب إلى سجن صيدنايا لزيارة زوجي وأعطاني ورقة للدخول، وعندما ذهبت فعلا رأيت زوجي الذي لم أستطع التعرف إليه بسبب شحوب وجهه وجسمه الهزيل من التعذيب وقلة الطعام”.
وتحدثت أم محمد عن قصتها في البحث عن توءمها محمد وأحمد فقالت في حرقة قلب:” دورت عليهن 3 سنين ومالقيتهن ولما فقدت الأمل قصة بنت عمي أم سعيد خلتني أرجع وروح على الشرطة العسكرية بالقابون ولما رحت وأخدت معي دفتر العيلة وهويتي عطوني ورقة صغيرة قالولي هي ورقة زيارة روحي زوري بصيدنايا ماحسيت على حالي غير عم أضحك ونرسمت بسمة كبيرة ع وجهي، ولما وصلت الباب الرئيسي حسيت صدري ضاق ورجلي ماعادوا يحملوني هون قاعدين ولادي ياكلوا ويشربوا بهالمكان الموحش ياريتني بحسن أخدهن معي وفي طريق دخولي بطلع من عسكري لعسكري وأخدونا بباصات من الباب الرئيسي لجوا المسافة بعيدة أنا قلت بيني وبين حالي السجن الي كنت شوف صوروا عالتلفزيون اليوم أنا جواتو ولما شفت ولادي ماحسنت ضمهن وماحسنت أحكي معهن زيادة تقريبا لخمس دقايق وأخدوهن”.
تقوم قوات الأمن بسجن صيدنايا بتعذيب المعتقلين بعد زيارة ذويهم لهم ولكن لتعرف على رأي المعتقلين في زيارة أهلهم لهم والتعذيب بعد الزيارة قمنا بسؤال المعتقل السابق حيان الذي أمضى 4 سنوات في سجن صيدنايا بجرم الإرهاب فتحدث لنا عن معاناة المعتقلين بالبعد عن أهلهم ويريدون فقط روئيتهم ولو لثواني.
فقال حيان والدمعة تسقط من عيناه بحسرة على المعتقلين الذين تركهم خلفه في ذلك السجن:(( لما زارتني أمي ماحسنت حكيها لأنهن كانوا معلميني شو احكي وبقول وضعي كويس جوا السجن ومابسأل إلا على والدي وأخواتي البنات وممنوع اسأل عن أخواتي الشباب ولما راحت أمي من باب غرفة الزيارات لباب الزنزانة وهني يضربوني ويسبوا علي بس صحيح عذبوني بعد الزيارة بس أهلي تطمنوا عني بتسوا ألف تعذيب وبزيارة وبدون زيارة هني عم يعذبوني)).
أم محمد وأم سعيد هما مرآة تعكس معاناة كثير من الأهالي، فعانوا من فقدانهم لأبنائهم، ولكن المعاناة الأكبر كانت في مشقة البحث عنهم، تعرضوا للمعاملة السيئة خلال رحلة البحث، تلك المعاناة جعلتهم ينسون المبالغ الطائلة التي قطعوها عن باقي أفراد أسرهم؛ كي يضعوها بيد المسؤولين عن غياب أبنائهم، آملين أن يسمعوا خبرا عنهم، فعبارة ” ابنك، زوجك، اخوكي… عايش” تكفيهم، وهم على استعداد أن يدفعوا كل ما يملكون ثمنا لسماعها.
المركز الصحفي السوري_ مخلص الأحمد