مرت آلاف النساء السوريات بمحنة الاعتقال خلال فترة الصراع السوري، عانين فيها من العذاب الجسدي والنفسي الذي لم يقتصر على فترة وجودهن ضمن الزنازين المظلمة. تحدثت عنب بلدي مع مجموعة من الناجيات من الاعتقال اللواتي شاركن آلامهن الباقية، لتسليط الضوء على المصاعب التي تقف في طريق متابعتهن للحياة.
عائشة.. موت بطيء لا ينتهي
“الاعتقال موت بطيء لا ينتهي أبدًا.. لقد اعتقلنا وخرجنا وإلى الآن نحس أننا لا نزال في ذات المعتقل ولا نخرج منه أبدًا، غادرناه ولكنه لا يغادرنا أبدًا”، بهذه الكلمات لخصت عائشة حالها بعد ما يقارب خمس سنوات من خروجها من المعتقل لدى النظام السوري.
تؤثر بها إلى الآن رؤية الأشياء التي تذكرها بالمعتقل، شعرت بألم عندما رأت زميلتها في العمل تمسك بالحديد المحيط بنافذة، “قلت لها ارفعي يديك عن الحديد، إلى الآن لا أنسى شكل الحديد في المعتقل”.
حينما عادت إلى أسرتها، بعد ستة أشهر من الاعتقال، قوبلت بالحب والاحترام إلا أن طبيعتها الجديدة شكلت حاجزًا بينها وبينهم “ينزعجون من طبيعتي بعد خروجي، فأنا خرجت لكن ليس فعليًا، كيف ستنامي وأنت تستمعين لأصوات التعذيب؟!! كيف ستنامي وأنت تسمعين عن تعرض شخص للاعتقال؟!!!”.
بقيت سنة ونصف بعد أن خرجت وهي مكبلة في زنزانة ذكرياتها القاتمة، غير قادرة على الخروج وعلى التفاعل مع من حولها.
ترى عائشة أن نهاية العذاب مرهونة بنهاية الصراع، “لن ينتهي هذا الضغط النفسي إلى أن يخرج آخر معتقل من تحت الأرض”.
زينب.. خوف مستمر
لم تفارق زينب إلى الآن، بعد سبع سنوات من النجاة، ذكرى صدمة اعتقالها وتعرضها للملاحقة والضرب وسط الشارع “إلى الآن أخاف من الجيش، رغم أني في تركيا، إن رأيت الشرطة تتسارع دقات قلبي وأبتعد”.
اعتقلت مع ابنتها وكان خوفها عليها هو أقسى أشكال العذاب التي عانتها، كانت تحس بالرعب كلما اقترب السجانون “تلفت أعصابي من هذه الناحية، وكانوا يقومون بتهديدي وبالقول سنأخذ ابنتك من عندك.. كان هذا أصعب الأمور”.
سليمى.. هنيئًا لمن تنسى
عانت سليمى أيضًا من عذاب الخوف على الأحبة، مع تهديدها المستمر بجلب أبنائها وزوجها إلى المعتقل، حيث بقيت مدة ثلاث سنوات، يعيدها صوت بكاء الأطفال بعد خروجها إلى تلك المآسي الماضية “لا أتذكر أحدًا سوى أبنائي، رغم أنهم الآن إلى جانبي وقد كبروا، إلا أنني أتذكرهم حينما قاموا بسحبي”.
اتصلت بها صديقتها لتطلب منها تذكيرها بأسماء من كن معتقلات معها ولتذكيرها بأسماء السجانين الذين قاموا بتعذيبهن، لكنها وجدت نفسها عاجزة عن استرجاع أي ذكرى عن وقتها خلف القضبان، رفضت وقالت لها “هنيئًا لمن تنسى”.
النسيان نعمة لا يملكها الكثيرون، وأضافت “لا أظن أن الشخص قادر على النسيان أبدًا”.
شيماء.. كوابيس
“الآثار النفسية موجودة حتى الآن… هناك رعب غير طبيعي مما جرى”، لم تزد شيماء في وصفها للمرارة الباقية من اعتقالها الذي دام لعامين في سجون النظام، إلا بذكر كوابيسها الدائمة، “كلما أنام أرى السجن والضباط والتعذيب، أستيقظ وأنا أحدث نفسي”.
يرن في آذانها إلى الآن الوعد الذي قطعه لها السجانون بالبقاء في زنزانتها إلى الأبد، وصفت مشاعرها قائلة، “شعور باليأس والإحباط الكامل، اعتقدت أنني دخلت ولن أخرج بعد في حياتي”.
محاولة التعافي والنسيان تقف أمامها نظرة المجتمع، حسبما قالت، “كلما أقول لأحد إنني كنت معتقلة أرى الصدمة في عينيه، وإن هذا أمر غير طبيعي”، توقفت شيماء عن ذكر فترة اعتقالها مكتفية بالتأقلم مع ما تحمله من وحشة وخوف في ذكرياتها.
نقلا عن عنب بلدي