تكاد أصوات طبول الحرب الصادرة من مدينة حلب، تغطي على كل ما عداها في المنطقة. لكنها لا تغطي حقيقة الواقع المر الذي يعيشه أبناء سوريا، ولا حتى المأزق الفعلي الذي تتخبط فيه جميع الاطراف المتورطة في الحرب السورية. فالدم السوري مرشح لمزيد من الإهراق، فيما يكاد ينعدم إمكان الانتصار عند جميع الاطراف على الأرض. فالنظام مهترىء الى أبعد الحدود، ويعتمد بقاؤه حصرا على استمرار دعم الايرانيين وميليشياتهم، وتواصل التدخل العسكري الروسي المباشر، وعدا ذلك فإن بشار ينهار في كل مكان، وصولا الى منطقة الساحل العلوي! أما الإيرانيون فيحاربون بأرواح الغير، من ميليشيا “حزب الله” التي فاقت خسائرها الفا وثمانمئة قتيل، الى مختلف الميليشيات المذهبية من العراقيين الى الهزارة في افغانستان، وذلك من دون ان يتمكنوا من تحقيق اختراقات حاسمة في مآل المعركة. فالامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي يخرج بين الحين والآخر على الشاشات ليعلن عن حسم سريع للمواجهة، يكتشف مرة بعد مرة أن تورط ميليشياته في سوريا هو كالنزول في بئر من دون قعر. فالكلفة البشرية هائلة بمقاييس البيئة الحاضنة، فيما الإنجازات متى حصلت تبقى محدودة للغاية. ولولا التدخل الروسي المباشر في خريف العام الماضي لانهار بشار الاسد، ومعه كل الميليشيات المذهبية الإيرانية على جميع الجبهات. أما روسيا، القوة العسكرية الكبرى، فقد مر أكثر من عام على تدخلها، استطاعت خلاله منع سقوط بشار، واعادت شيئا من التوازن على ارض المعركة. وبالرغم من وحشية القصف الجوي الروسي الذي لم يميز بين مقاتلين ومدنيين، محرقا القرى والمدن من دون هوادة، لم يقلب تدخل روسيا الطاولة على رؤوس الآخرين كما كان يعتقد. فبقي تورط روسيا دون تحقيق أهداف حاسمة تنهي المعركة لمصلحة الفريق الذي تدعم. وبدت حدود القوة الروسية جلية، على أكثر من صعيد، ولا سيما على صعيد القدرة الاقتصادية على تغطية مزيد من التورط العسكري المكلف.
في المقلب الآخر، مأزق أيضا. من الدول العربية الداعمة للثورة التي بددت سنوات طويلة في التنافر والتنافس في ما بينها على أرض سوريا، بحيث أسهمت في توليد عشرات الفصائل المعارضة المسلحة التي أكلت “الجيش السوري الحر”. وقد أدى الدور الاميركي “الملتبس” الى ضرب كل أمل بالحصول على دعم حاسم من واشنطن لتغيير النظام، وكسر الجسر الإيراني في سوريا بسرعة. هذا الواقع صدم الأتراك أيضا، فعلقوا في عنق الزجاجة. واليوم تسير تركيا في مسار غير واضح، بين أن تواصل دعم فصائل المعارضة المحسوبة عليها، أو تحاول إبرام صفقة مع روسيا تعدل بموجبها موقفها الفعلي من سوريا، في ظل اقتناع بأن واشنطن سحبت موقتا من الطاولة ورقة إسقاط بشار، في انتظار الانتهاء من الحرب ضد تنظيم “داعش”.
أين لبنان من كل ذلك؟ مزيد من تورط “حزب الله” العالق في وحول سوريا دونما أمل بتحقيق أي انتصار، ولو حصلت معركة حلب المنتظرة وتقدمت فيها قوى “الممانعة”! فالمنحى العام يشير الى “ستاتيكو” طويل، والى منع أي طرف من تحقيق انتصار حاسم. ويبقى لبنان عالقا بين عودة النار الى “الهشيم” اليمني، وحرب الكرّ والفرّ السورية التي ستطول كثيرا!
النهار