يعِدّ مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا إلى سورية، طبخة جديدة، بالاتفاق مع مجموعة من القوى الإقليمية والدولية لإيجاد مخرج مشرّف لنظام بشار الأسد، بعد حالة الانكسار التي مني بها أخيراً.
إذ توضح المؤشرات التي سبقت عقد مشاورات جنيف التي تُجرى حالياً، بما لا يدع أي مجال للشك في أنّ ما يعد في هذه المشاورات سيكون مخرجاً لنظام الأسد، وحفظاً لماء وجه قوى إقليمية ودولية عديدة، في لعبة مكشوفة، يعاد فيها توزيع الأدوار لرسم خارطة الشرق الأوسط، بما يتناسب مع مصالح هذه القوى الإقليمية والدولية وأهدافها، وعلى حساب الشعب السوري وثورته.
وتتركز مشاورات دي ميستورا على استطلاع مدى رغبة الأطراف في التوصل لاتفاق سلام يرتكز على ثلاث أسس، الأول بناءً على وثيقة مؤتمر جنيف الأول، والثاني أن تشكل متابعة لحوار موسكو بين النظام والمعارضة، والثالث أن تأخذ في الاعتبار المبادرة المصرية حول الحل والتي تبلورت بعد اجتماع لأعضاء المعارضة السورية في القاهرة.
ومن خلال هذه المشاورات سيستمع لموقف كل طرف من خلال محادثات منفصلة بين دي ميستورا وبين المندوبين عن النظام والمعارضة، ومع الدول الإقليمية والدولية المهتمة بالموضوع السوري. شبهات عديدة تحوم حول المبادرة وأهدافها، وخصوصاً في هذا الوقت الذي يشهد خسائر استراتيجية لنظام الأسد ومليشياته، قلصت سيطرته على الأرض، فصارت لا تتعدى أكثر من ربع الأراضي السورية، في دليل واضح عن قرب نهايته وسقوطه، وهو ما كان داعياً لتسابق دي ميستورا للإعلان عن مبادرة لتسوية سياسية في سورية، تنطلق بمشاورات تمتد ما بين خمسة إلى ستة أسابيع. أول هذه الشبهات إصرار دي ميستورا على دعوة إيران لحضور جنيف 3، على الرغم من عدم حضورها جنيف 1 وجنيف 2، الأمر الذي أدركه جيداً كل من كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، المبعوثين السابقين لسورية، كونها تشكل جزءاً من الأزمة السورية، وهو ما ينم عن عدم إدراك دي ميستورا تطورات الأوضاع على الساحة السورية، متناسياً في الوقت نفسه أن إيران تحتل الأراضي السورية، وتتصرف، في سورية، من منطلق الحاكم الفعلي للبلد، لا من منطلق الصديق الذي يمكن أن يسهم في إيجاد حل، وهو ما كان حرياً به أن يطلب من وفد النظام السوري أن يكون ضمن وفد الملالي في إيران، بدلاً من دعوة كل طرف على حدة.
ثاني هذه الشبهات توجيه الدعوة لأكثر من 170 شخصية، تمثّل المعارضة وفصائلها، وإصرارها على لقاء كل فصيل على حدة في محاولة لتمييع قوة الجهات الحقيقية الممثلة للمعارضة وثقلها، بجميع أطيافها العسكرية والسياسية، ومنظمات المجتمع المدني والناشطين في الثورة، وبما يدلل على لعبة خبيثة، لإضعاف المعارضة أمام الرأي العام، وإظهار المشاورات على أنها مقدمة لبدء حل سياسي مستقبلي، في حين هي محاولة لتعويم وجود الطرف الثاني (المعارضة)، وتحويله من طرف واحد إلى أطراف غير محددة، وإظهار المعارضة على أنها معارضات، لا يجمعها شيء ونزع المصداقية والشرعية عنها، إلى جانب محاولته إحراج المعارضة السورية، وكشف عدم امتلاكها أي تصور للمرحلة المقبلة، بهدف إجبارها على خفض مستوى المطالب، والقبول بالهدن المحلية التي يسعى إليها النظام، وروج لها كثيراً على أنها الحل الوحيد في محاولةٍ منه للبقاء في السلطة إلى أقصى وقت، بعد إفساح المجال أمام الأسد ومليشياته لإعادة هيكلة خريطة المعركة التي يخوضها.
“دي ميستورا نفسه لا يمتلك تصوراً متكاملاً لحل سياسي في سورية، وهذا ما أوضحه في تصريحاته المختلفة” ثالث هذه الشبهات أن دي ميستورا نفسه لا يمتلك تصوراً متكاملاً لحل سياسي في سورية، وهذا ما أوضحه في تصريحاته المختلفة. لذلك، لجأ إلى اجتماعات تشاورية سقفها الزمني مديد، ويصعب الحكم على نتائجها.
وبالتالي، تقود جميع المؤشرات السابقة إلى قناعة بأنّ دي ميستورا غير مؤهّل لتقديم أي حل للمسألة السورية، كونه، طوال الفترة السابقة، ومنذ استلامه مهمة المبعوث خلفاً للأخضر الإبراهيمي، لم يقدّم ما يلامس معالجة الكارثة التي أصابت السوريين، ولم ينظر في مسببات المسألة السورية في انحياز تام للنظام وسياسته، بعد أن تغاضى عن الحرب الشاملة التي بدأها النظام الأسدي ضد الشعب السوري، منذ اندلاع الثورة، محاولاً اختصار الكارثة السورية بمسألة الإرهاب الذي صنعه النظام السوري بيديه، وهو ما يشكك في خطط دي ميستورا ونياته، وفي مواقفه من ثورتنا السورية، ومن مؤسسات ثورية عديدة، تعمل على الأرض، وتحظى بشبه إجماع على دورها في العمل الثوري.
لا يملك دي ميستورا الذي فشل في إيقاف إطلاق النار في حيين في حلب أي شيء ليقدمه للحل السياسي في سورية، فالمعارضة لا تعارض العمل مع المجتمع الدولي، ومع دي ميستورا نفسه، لإيجاد حل عادل في سورية، وإنما تعارض عدم الجديّة، وعدم الحيادية في الطروحات التي قدمت.
العربي الجديد