شهدت الثورة السورية منعطفاتٍ عدة منذ انطلاقها في الخامس عشر من آذار 2011، وكانت أولى شرارتها في درعا بيد أطفالٍ قالوا كلمة “حرية”، ما دفع النظام لاقتلاع أظافرهم, ظنّاً منه أنه سيمحو كلمة الحق التي كتبوها.
الأمر الذي دفع المدن السورية في حمص ودمشق لتلبية صيحة الاستغاثة التي أطلقتها درعا مهد الثورة, مظاهرات ومظاهرات كانت تنادي بهتافاتٍ وشعاراتٍ دفعت النظام لاستخدام الرصاص الحي تجاه المتظاهرين خوفاً على نفسه من السقوط بعد توسّع رقعة تلك المظاهرات .
لم يعِ هذا النظام أن فعله هذا سيدفع الضباط الشرفاء للانشقاق, فحسين هرموش كان أول من انشق والذي أعلن عبر وسائل الإعلام انشقاقه والالتحاق بالثورة ليضيء لباقي الشرفاء طريق حريتهم, وكان منهم أيضا مَن انشق بكامل كتيبته كأحمد معراتي في درعا وغيرها.
مادفع نظام الأسد إلى شنّ حملة اعتقالات طالت أقرباء وذوي المنشقين، لإجبارهم على تسليم أنفسهم والعودة إلى جيش النظام, ليتفاجأ النظام بتشكيل الكتائب الثورية التي ساهمت بحماية المتظاهرين والتصدّي للحملات الأمنية والعسكرية لنظام الأسد.
ومع استمرار المظاهرات والشعارات السلمية التي أصبحت تنادي (الشعب يريد اسقاط النظام ), استمرت أيضاً حملات المداهمات والاعتقالات للمدنيين الذين شاركوا في المظاهرات، بتهمة حيازة السلاح والتعدي على عناصر الأمن والشرطة, وكل هذه الاتهامات جاءت بغية إجبار الشعب المنتفض ورضوخه لميليشيات الأسد.
هذا وقد أعلنت الكتائب الثورية التي تشكلت، توحدها وانضمامها إلى جيشٍ واحد أُطلق عليه اسم “الجيش الحر”, الذي أخذ على عاتقه محاربة النظام الذي اعتقل الكثير من الأبرياء حتى النساء والأطفال.
وأيضا من أساليب التعذيب الوحشي, إجبار بعض النساء على الاعتراف بتهمٍ باطلة عن طريق التهديد بالاغتصاب والتحرش الجنسي، ولا ننسى صورة الطفل حمزة الخطيب الذي اعتقله نظام الأسد وقام بتعذيبه حتى الموت لتبقى صورته شاهداً على مرارة الظلم الذي يُمارس في المعتقلات.
امتلأت السجون بالمعتقلين والمعتقلات وعلا فيها صراخ ألم التعذيب التي لم يسبق لأي دولة في العالم أن تمارس مثل هذه الأساليب الوحشية.
نعم استمرت الثورة رغم مرارة الألم والقهر والاعتقال للمدنيين, أو بقتلهم حتى أن النظام وضع الحواجز الأمنية في كل الطرق ومداخل المدن لتفتيش المدنيين أثناء دخولهم وخروجهم .
توقفت بعض المظاهرات بسبب وحشية القصف على المدنيين بأنواع مختلفة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة , ولن أنسى ذلك اليوم الذي اختبأنا فيه في أحد الملاجئ من الساعة التاسعة صباحاً وحتى السادسة مساءً، هرباً من القصف المتواصل على المدينة، ثم خرجت إحدى العائلات من الملجأ لإطعام الأطفال الذين بقوا ساعات في القبو دون طعام, وكان ممن خرج طفلة صغيرة اسمها “نور” فما أن خرجت من الملجأ حتى استهدفها قناص في أحد الأبنية التي استولت عليها حواجز جيش الأسد لتسقط أمام أمها جائعة مقتولة برصاص الغدر.
عملت الفصائل الثورية على توحيد الصفوف ليكون الهدف واحداً وهو إسقاط النظام، حتى تشكلت الفيالق والألوية التي أخذت على عاتقها تحرير سوريا بالكامل من نظام الأسد.
تحولت بعدها الثورة من سلميةٍ إلى عسكريةٍ لتتوقف المظاهرات التي قمعتها أسلحة النظام المختلفة, لكنها لم تقمع أهداف الثوار الذين جعلوا دماءهم رخيصة حتى ينالوا شرف النصر .
حققت الثورة السورية انتصاراتٍ عديدة وحررت معظم المناطق السورية، إلا أن دعم الدول الغربية لنظام الأسد ورضوخ الدول العربية دون أي رد فعل يُذكر إزاء أساليب النظام, قلب موازين القوى وحال دون إسقاط النظام حتى اللحظة.
روسيا هي الحليف الأول لنظام الأسد بالإضافة لإيران وميليشياتها التي بدأت بالتوغل في البلاد, فدعمت روسيا النظام بشتى أنواع الأسلحة من طائرات وصواريخ وحتى المحرمة دولياً, فكانت تُلقي حممها على الثوار في الجبهات للحد من تقدمهم أو على المدنيين لتحقيق أكبر عدد من الإصابات بينهم, وبذلك تخلق شرخاً واضحاً بين المدنيين والثوار, هذا ولم يكتفِ النظام عند تلك الأسلحة وحسب بل أصبح يستخدم الغازات السامة كالكلور و السارين ضد الثوار والمدنيين على حد سواء, فما مجزرة دوما و خان شيخون وغيرهما الكثير ببعيد.
حصلت منعطفات كثيرة في الأعوام الأخيرة, فتراجعت مساحات السيطرة للمناطق التي كانت خاضعة للثوار, بسبب وحشية نظام الأسد المدعوم روسياً وإيرانيًا, وبسبب وجود بعض الخونة ولجان المصالحات, زاد من عمليات التهجير والسيطرة على مناطق كانت تحت سيطرة فصائل الثوار.
عمل نظام الأسد على إجلاء المدنيين من مناطق سيطرته إلى إدلب فأصبحت إدلب اليوم ملاذاً لملايين النازحين من بطش النظام .
شهدت الأعوام الأخيرة كثرة الاجتماعات الدولية والمؤتمرات بداعي إيجاد الحلول المناسبة للوضع السوري, ولكن تعنّت نظام الأسد والدعم الروسي منع تلك الحلول, فنقض الاتفاقيات وزاد من وحشيته بهدف الاستيلاء على محافظة إدلب وما حولها, ولكن الثوار ما زالوا مصرّين على منع أي تقدم لميليشيات الأسد والاستيلاء عليها مهما كلّفهم ذلك.
حيث تشهد محافظة إدلب إلى اليوم حلبة الصراع الدموي السوري, ومع إصرار الثوار باستمرار الثورة التي خرجوا بها من أجل تحرير سوريا من نظام مستبد ومحتل مثل روسيا وإيران.
عادت بعدها المظاهرات في المدن المحررة رغم القصف المتكرر على المدن في الشمال المحرر لتحيي في ذكرى الثورة في كل عام موقف شعب أبى الرضوخ لسطوة النظام وجبروته ،وأن أولى أهدافه هي الحرية للمعتقلين وللشعب المضطهد وبذلك ثورتنا مستمرة رغم القصف والدمار، ورغم معاناة اللاجئين في كل مكان ورغم تخاذل الدول وتكالبها على الشعب السوري الأعزل .
مقال رأي / فداء معراتي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع