رغم الهدوء النسبي الذي تبع وقف إطلاق النار، فإن سكان إدلب ليسوا متفائلين كثيرا بعد اتفاقيتين مماثلتين ذهبتا هباء، لأنهم يعلمون علم اليقين أن هدف القوات السورية والروسية هو استعادة السيطرة على المنطقة.
وتقول صحيفة لاكروا الفرنسية في مقال لها بقلم آن بينديكت هوفنر، إن المراقبين أبلغوا في اليوم التالي لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين عن وقوع اشتباكات حول بلدة جبل الزاوية، وإن لم تحلق أي طائرة فوق المنطقة في اليوم التالي للاتفاق.
هل يحترم وقف إطلاق النار؟
وقالت الكاتبة إن سكان آخر جيب بإدلب لم يشهدوا هذا الصمت منذ بدء الهجوم الذي انطلق في مطلع أبريل/نيسان 2019، وخاصة في الأسابيع الأخيرة، بعد أن اشتد القتال -الذي قتل فيه حوالي خمسمئة مدني وشرد أكثر من مليون- بين القوات السورية المدعومة بالقوات الجوية الروسية، وبين الجماعات المحلية الأخرى بدعم من تعزيزات أرسلها الجيش التركي.
وبعد اتفاقين سابقين لوقف إطلاق النار، أحدهما في أغسطس/آب والآخر في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، يبدو للكاتبة أن المناخ أبعد ما يكون عن الحماس للاتفاق الجديد.
وتنقل في هذا الإطار ما قاله المواطن السوري فادي خطيب (26 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية أن “النظام (السوري) وروسيا ما زالا يلعبان اللعبة نفسها، إنهما يغزوان المناطق ويبرمان هدنة ثم يشنان هجوما جديدا، فكيف لي إذًا أن أثق بهذه الهدنة؟”.
وبعد ساعات قليلة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية “إن القضاء على المقاتلين والإرهابيين ما زال هو الهدف، وإن هذا الجهد ستتابعه القوات المسلحة السورية وتلك التي تتعاون معها”، كما قال أحد أهالي حلب إن “أمله” في رؤية نهاية العنف سرعان ما تلاشى عندما أعلن مقاتلو “هيئة تحرير الشام” أنهم رفضوا الاتفاق ومستمرون في قتالهم.
ما السياق؟
وقالت الكاتبة إن الاتفاق الجديد الذي استغرق الحصول عليه ست ساعات من التفاوض بين أردوغان وبوتين، أكد إعادة سيطرة الجيش السوري على نحو نصف محافظة إدلب، كما أعطاه حق القيام بدوريات مشتركة على الطريق السريع أم4 في “ممر آمن”.
ورغم أن أردوغان رحب أمام الصحفيين بالاتفاق الذي “يقوي أمن الحدود التركية في مواجهة هجمات الإرهابيين والنظام” واعتبره “بمثابة أساس لعودة إدلب إلى الاستقرار”، فإن الاتفاق في الواقع بدا أبعد ما يكون عن تحقيق ما يريده الرئيس التركي، إذ لا يذكر “منطقة آمنة” لإيواء المشردين من إدلب الذين ترفض أنقرة قبولهم على أراضيها.
وتنقل الصحيفة عن الكاتب زياد ماجد قوله إن أردوغان لم يحصل على ما يريد، لأنه وجد نفسه وحيدا ضد روسيا، دون دعم من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وبالتالي رأى ماجد أن “أفضل طريقة لحماية السكان السوريين وتجنب موجات اللاجئين إلى أوروبا هي التفاوض مع بوتين على ممرات إنسانية ومنطقة حظر للطيران”.
ما المستقبل؟
ويقول زياد ماجد إن هذه الاتفاقية على المدى القصير، تحمل مخاطر احتكاك بين القوات السورية والتركية، خاصة حول الطريق السريع أم4، لأن الهدف من الدوريات المشتركة هو منح حرية الوصول لكلا الطرفين، إلا أن كل واحد منهما قد لا يرغب في مضايقة الآخر.
أما على المدى الطويل، فإن آرثر كيسناي، أستاذ العلوم السياسية والباحث في جامعة باريس1، “لا يرى أنه من الممكن احترام هذا الاتفاق”، “لأن الاتفاقات الموقعة لا يمكن لتركيا تطبيقها ولا ضمانتها، وليس لهذه الاتفاقات من هدف سوى توفير مزيد من الوقت للقوات السورية والروسية. وهذا ما يتكرر مرة أخرى في هذا الاتفاق”.
وبالنسبة لهذا الباحث، كان التصعيد في الأسابيع الأخيرة “مكلفا للغاية بالنسبة للجيش السوري”، وقد وفر الاتفاق لروسيا استراحة محارب بعد استعادة السيطرة على الطريق السريع من دمشق إلى حلب، وسوف تستأنف القتال لاحقا، عندما يتغير السياق أو عندما تسحب تركيا جزءا من قواتها، وبالتالي فإن الحرب تظل قائمة وقادمة أيضا، بالنسبة لهذا الخبير.
نقلا عن الجزيرة