يقول أحمد الذي فر من حلب بعد أن حاصرها تنظيم الدولة الإسلامية “الآن أستطيع مساعدة والدتي في حلب وإسعادها”. وهو يقارن نفسه بشقيقه الأكبر، الذي يعيش منذ سنوات في ألمانيا ولديه وظيفة وزوجته ألمانية ويتقن أربع لغات، لكنه ليس سعيدًا في حياته. “لديه كل شيء، لكنه لا يستطيع التأقلم مع ثقافة الألمان”.
لذلك قرر أحمد البقاء في إزمير، حيث يسكن في حي باسماني المشهور بأنه مركز تهريب البشر عن طريق البحر إلى اليونان. ورغم أنه قادر على دفع أجرة التهريب، فإن ذلك لا يستهويه ويفضل البقاء حيث هو وفي مجتمع يشعر فيه بالسعادة. وهو ليس الوحيد الذي يفكر هكذا.
محمد صالح يتلقى شكاوى من لاجئين يعيشون بالغرب (دويتشه فيلله) |
150 ألفا
يعيش في إزمير حاليا حوالي 85 ألف سوري من أصل مليونين ونصف مليون سوري ممن لاذوا بتركيا حسب الإحصائيات الرسمية. إلا أن مدير جمعية إغاثة اللاجئين السوريين في إزمير محمد صالح يقول، إن عددهم في المدينة أكبر من ذلك بكثير وقد يصل إلى 150 ألفًا. وهو لا يعتبر مصطلح لاجئ مناسبًا، حيث يقول “أنا لا أصف السوريين في إزمير باللاجئين، هم الآن في غرفة انتظار، مثل موقف حافلة، وينتظرون العودة”.
ولتقصير زمن انتظارهم أسس صالح عام 2011 جمعيته لمساعدة السوريين في الحصول على المسكن والعمل والمدارس لأطفالهم وتعليمهم اللغة التركية. وهدف الجمعية هو مساعدة اللاجئين على الاندماج للبقاء في تركيا.
محمد صالح أستاذ جامعي متقاعد من منطقة الأكراد بشمال سوريا، يعرض رسائل إلكترونية من لاجئين وصلوا أوروبا وأصيبوا بالإحباط ويريدون العودة إلى تركيا. فقد كتب له صديق من السويد: “لا أحد يريد التحدث معنا”، وهناك آخرون يشكون من طول الانتظار في معسكرات إيواء اللاجئين، ومن تقديم “الطعام بلا بهارات”، وفتور في التعامل معهم بعد هجمات باريس وأحداث كولونيا.
صالح يقترح على السوريين العودة إلى إزمير بدلا من أوروبا، فالمدينة آمنة نسبيا وتكاليف المعيشة فيها أقل من إسطنبول وأنقرة. ويمكن لعائلة أن تستأجر غرفة مساحتها 20 مترًا مربعًا بمائة يورو.
المشكلة الكبرى التي تواجه الأطفال والفتيان في إزمير هي التعليم، إذ يزور فقط 10% منهم المدارس. لذا اتفق البروفوسور صالح مؤخرًا مع اليونيسيف على تمويل برنامج لتقديم دروس باللغة العربية في سبع مدارس حكومية لأطفال اللاجئين.
مشكلة التعليم
يقول ماهر محمود اللاجئ من العراق “يذهب أطفالي يوميا إلى المدرسة، لكنهم لا يفهمون ما يقوله الأستاذ، لأن التدريس باللغة التركية”.
يجلس محمود مع صديقه الكردي عبد الرحمن إبراهيم في مقهى بحي باسماني، وكلاهما لديه عائلة وكلاهما لا يجد عملا. جاء محمود إلى إزمير بعد أن اشتغل عامين في شمال تركيا في البناء. وكان يعمل عشر ساعات يوميا وست أيام أسبوعيا مقابل ستة يوروهات في اليوم. “في العراق كنت أملك سيارتين ومنزلا ومخبزا، لكنني بعت كل شيء. أردت الاستقرار وأن يعيش أطفالي بأمان”.
قبل أكثر من عامين قدّم محمود طلب لجوء سياسي إلى أميركا. “أوروبا تكرهنا وأمريكا تكرهنا أيضا”، يقول إبراهيم لمحمود، ويضيف: “لقد ذهب لاجئون كثيرون إلى ألمانيا، وبذلك جعلناهم يكرهوننا”.
ويقول لاجئ آخر لا يرغب في الإفصاح عن اسمه “إذا هاجرت إلى أوروبا، فسوف أفقد أبنائي. حين يصبحون مراهقين لا يطيعونك، ففي أوروبا لا تستطيع التحكم بالمراهقين. أما هنا، فيمكننا العيش كما نحن وكما كنا دائما نعيش، لذلك أفضّل الأجر القليل للحفاظ على أمان أسرتي”.